هموم مواطن من الدرجة الثانية

a95b8d05-14f7-45a1-9707-c24f171415f3_Lrg

الجزائر العاصمة، عاصمة تمثل هموم شعب و أمة.

غالبا ما يخونني قلمي في البدايات، و ما أصعبها من بدايات! في معظم الأحيان، أبدأ مقالاتي دون مقدمات لأن هذا يساعدني على الدخول مباشرة في صلب الموضوع، كما يجنبني مشاق و متاعب إيجاد بداية مناسبة. غير أنني اخترت هذه المرة أن أبدأ بتعريف بسيط وبملاحظة صغيرة: لا تلومي قلمي إن أخطأ هنا أو هناك فهو يقول ما يراه صحيحا ويبحث عن الحقيقة ولو أن هذه الأخيرة كانت سهلة الايجاد لما كانت لها قيمتها.

أنا شاب جزائري بسيط إسمي: غبولي زين العابدين. أقطن في إحدى الولايات الشرقية وفخور بموطني وأصلي. أنتمي لبلد عاش ويلات الحروب منذ زمن فبعد استعمار دام قرنا وثلاثين سنة، نعيش اليوم استعمارا آخرا الفرق بينه وبين القديم هو أن المستعمرين القدماء كانوا يحملون جنسية بلد أوربي، أما المستعمرون اليوم فهم وبافتخار يحملون جواز سفر جزائري ولا تفوتهم فرصة إلا وأسمعونا خطابات وخطابات تمجد الوطنية، فهل يعلم هؤلاء أن الوطن الذي يدعون انتماءهم إليهم قد تبرأ منهم؟

وقتي أمضيه غالبا كسائح في الانترنت أو كمنغمس في قراءة الكتب، أنا أؤمن بأن الشعب الذي لا يقرأ لا أمل له بالنجاح ولا بتغيير سلمي يعيد له كرامته. الجهل عدو الشعوب، و إن لم يكن الجهل مسببا للأزمة الاقتصادية التي نعيشها في بلدي اليوم إلا أنه كان المتسبب الرئيسي في أزمة اجتماعية عصفت بنا لعقد من الزمن وسرقت 200.000 روح وجسد من أبناء هذا الشعب. اليوم، و بسبب هذه الأزمة التي تسمى اصطلاحا في المواقع العالمية ” العشرية السوداء “، أصبح الشعب يخاف من التغيير ويعتقد أن كل دعوة لذلك سوف تلقي بنا مجددا في نيران مشتعلة وفتن تأتي على الأخضر واليابس. أعتقد أن الأمر ليس إلا ضريبة الإرهاب الذي عانينا منه والذي كان باسم الدين (حسب قول الإسلاميين المتشددين) وباسم القانون (حسب تصريحات الدولة) إلا أن الأكيد أن الشعب هو من دفع الثمن، فمن قتلوا أبناءه باسم الدين حصل معظمهم على لجوء في الدول التي سموها يوما ب”الكافرة” أما من ارتكبوا المجازر باسم القانون فهم يتنعمون اليوم بأموال مكدسة في البنوك السويسرية ولا يزالون يحكموننا بحجة الشرعية الثورية.

إن حياتي في هذا البلد علمتني أن التغيير أصعب مما نتوقع، أنا أدرك أنه في تاريخ كل الشعوب العظيمة هناك فترات من التقهقر وجب علينا أن نعيشها لكني لا أفهم لماذا طالت فترة المخاض عندنا؟ وأظل أسائل نفسي: متى سيحل التغيير على بلدي؟ و متى سأحس بكرامتي كجزائري يتمتع بكل حقوق المواطنة لا كلاجئ في هذا البلد؟ هل جنسيتي الجزائرية هي فقط وسيلة للحصول على جواز سفر يمكنني أن أتحصل به على تأشيرة للهروب أم أنها شيئ أفتخر به ويعطيني فرصة عادلة للوصول إلى ما أطمح إليه؟ هل أنا جزائري فقط في الأوراق الرسمية أم أنني أملك حقا للعيش في بلادي معززا مكرما؟ هل أنا انسان هنا أم أنني رقم يضاف إلى حسابات الدولة عندما تحصى عدد مواطنيها؟

أعيش أزمة هوية وأحلم ببلد ديمقراطي يتساوى فيه الناس كأسنان المشط. كرهت المزايدات باسم الوطنية وباسم الدين، كرهت الوعود الكاذبة وكرهت السياسات العرجاء. نسبة البطالة في بلدي تقتلني حينما أفكر بشأن مستقبلي، والتشدد الديني يفتك بالحرية في بلد شارك في ثورته في خمسينيات القرن الماضي كل المظلومين و لم يتم التمييز بينهم باسم دينهم وعقيدتهم ومذهبهم. لو نهض المجاهدون اليوم من قبورهم لانتحروا لأنهم سيدهشون، لا بل سيعجبون، لا بل سيحزنون ويبكون على واقع البلاد الأليم.

أصبحت أحس كانسان متفتح يقبل كل الإديولوجيات والأفكار والأشخاص مهما كان أصلهم أو عرقهم أو دينهم، أصبحت أحس بكثير من الألم والأسى على بلدي و موطني، كثيرا ما صرخنا قائلين بأن البلاد بيعت بأبخس الأثمان لكن لم ينتبه أحد وكثيرا ما نددت كغيري بتصرفات البعض الذين يريدون تحويل الجزائر إلى ” أفغانستان ” ثانية ويحلمون بتنظيم إرهابي مثل ” داعش ” لكن دوائر السلطة لم تلق لنا بالا وكأننا نتحدث في الفراغ. واليوم نحن ندفع ثمن استهتارنا، اليوم نحن نقبع في ذيل الأمم و البعض لا يعلم أن هناك دولة إسمها الجزائر وبلدا ضحى من أجله مليون ونصف المليون شهيد، فهل يا ترى هذه هي البلاد التي أراد المجاهدون الذين ضحوا بالغالي و النفيس لبناءها؟ الإجابة أعزائي القراء تخيف، ترعب و تفزع كل محب لبوابة افريقيا.

قد أفرغت بعضا مما لدي، و لا يزال هناك المزيد! سأكتب كمواطن يرى الحقائق بأم عينيه ولا يسمع عنها في نشرات القنوات الرسمية، سأنقل إليكم واقع الشارع الجزائري ولن أزين الأخبار كما يفعل السياسيون، سأعمل من أجل بلد ديمقراطي يعيش فيه كل جزائري فخورا بجنسيته مهما كان عرقه ولون بشرته وعقيدته. سأنام اليوم وسأرى في منامي تلك الدولة التي حلمت بها والحرية التي ناضلت و أناضل من أجلها فلعل وعسى يصبح هذا المنام حقيقة في يوم من الأيام. اصبري يا جزائر فالأمل موجود، اصبري يا جزائر فأبناءك موجودون، اصبري يا جزائر فالفرج قريب!

5 thoughts on “هموم مواطن من الدرجة الثانية

  1. زرت الجزائر في 2012 و أحسست حالة الخوف و العبث التي تعتري شوارع جزائرنا الحبيبة ، من المؤسف ان بلد بتاريخ الجزائر و بحضارتها و بمثقفيها غير قادر على منح شعبه هامش من الحرية و الديمقراطية . رغم ما عاشته الجزائر من تجارب مريرة و أخرها العشرية السوداء لا يستحق هذا الشعب مصالحة فعلية مع حكومته ؟ آلا ستسحق الجزائري كرامة في وطنه ؟ جزائر يا وجعي الذي لم يبرؤ بعد .

    • أشكرك على تعليقك 🙂 أعتقد أن المصالحة غير ممكنة الآن لأن الحكومة خانت توقعات الشعب في مرات كثيرة، المطالبة الآن تتمحور حول حكومة جديدة و نظام جديد يضمن كرامة المواطن. الحكومة وعدت و لم تفي بوعودها و الشعب أدرك ان التغيير لا يمكن أن يحدث إن لم تكن هناك إرادة سياسية. حالة الخوف اليوم زادت عما كانت عليه في 2012 لأن المستقبل مجهول خصوصا مع العهدة الرابعة، إلى أين تتجه الجزائر؟ كمواطن يمكنني أن أقول أن الشعب لا يعلم! أتمنى أن لا نقع في كارثة فقط.

  2. ولكن على الأرض يا صديقي هناك الكثيرون ممن يؤيدون النظام ذلك أن النخب مع الأسف ليس فقط في الجزائر وإنما في سائر الدول العربية فشلت في تقديم بديل للطبقات الكادحة ؟ أحياناً يميل المثقفين الى اعتبار ان واقعهم ينطبق على غيرهم من أبناء وطنهم وينسون أنهم اقلية، فلا يحملون مشروع تغيير واقعي وقابل للتحقيق وهذا ما يجعل معظم الناس تتمسك بالدكتاتوريات ؟؟

    • شكرا صديقتي على التعليق 🙂 على الأرض أعتقد أن الواقع قد اختلف فالمظاهرات التي خرجت تندد بالنظام الحاكم في الجزائر في أفريل عندما ترشح الرئيس الحالي لعهدة رابعة كانت بالنسبة لي دليلا على أن الشعب يعرف ما يحدث و لكنه غير مهيكل و غير منظم تنظيما يسمح له بالتأثير على نظام الحكم. أتفق معك في نقطة أن النخب لم تقدم الخيار أو البديل و هذا يرجع لعدم وجود مبادرات جادة، حتى في الجزائر منذ اسابيع أطلقت مبادرة للتغيير بقيادة شخصيات مشهورة معارضة للنظام لكنها تعاونت مع حزب الجبهة الإسلامية للانقاذ المنحل ” المسمى بالفيس و الذي كان له دور كبير في العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر” و هذا ما جعل الشعب لا يؤمن بهذه المبادرة لأنها تتعاون مع من كان سببا في ما نعيشه اليوم. أعتقد أنه لكي تكون هناك إرادة سياسية للتغيير يجب ان تتوحد النخب و تخرج ببرنامج حكم يحل المشاكل و تقدمه للشعب ليحتضن هذا المشروع، يعني يجب أن يكون الشعب جزءا من التغيير و يحس هو بذلك و ليس فقط وسيلة تستعملها الدولة كما تستعملها النخب لتحقيق مصالح شخصية.. إن لم يحتضن الشعب التغيير و إن لم يؤمن به فمن غير الممكن أن يحدث حتى و إن كان الحكام دكتاتوريين. شكرا لك مجددا على تعليقك صديقتي 🙂

  3. مقالك رائع صديقي يلامس أحاسيس كل المغتربين بأوطانهم … مقالك يفضح ويعرّي حقيقة أوطاننا اللعنة التي لطالما كانت تحت أحذية الأصوليات الدينية والعسكرية والثقافية أيضا شكرا لمرافقتي هذا المساء بمقالك الدسم الذي أيقظ فيّ أحاسيسا مختلفة 🙂

اترك رداً على مها الجويني إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*