القراءة ثم القراءة ثم القراءة

لا ينكر إلا الجاهل تخلف هذه الأمة و ضياعها في عالم يتميز بالتقدم العلمي و التكنولوجي و لا مكان فيه للأمم المتخاذلة و الكسولة و التي لا تقدم شيئا للمجتمع، و لا يصدق إلا عديم العقل أن هذه الامة في طريقها للنهوض مرة أخرى فالحقيقة أننا لا نزال في حرب هوية ثقافية لم نستطع للآن أن نخرج منها و إن كانت هذه الحرب أقعدتنا سنين و سنين فهي ستقعدنا أيضا أعواما أخرى إن نحن لم نجد حلا لها. في خضم كل هذه الأمور و في وسط كل معارك التقدم، يأتي بعض الأشخاص ليحاولوا نشر فكر عنصري في ربوع هذه الأمة و يعملون على تزييف وعي الشباب و ابعادهم عن الكتب لحجج واهية بالية، هذا ما يخلق نوعا من عدم التوازن و انكسارا للروابط التي تجمع بين الفئة المثقفة و عامة الناس أو بين النخب و الشعب ليتحول هذا الانكسار في الأخير إلى عقبة تقف أمام المثقفين الذين يحاولون النهوض بهذه الأمة. من المستحيل أن تبدأ مسيرة التقدم و الشعب مرتبط كل الارتباط بمنابر بعض الدعاة، و من غير المنطقي أن نحاول تغطية النقص الثقافي الذي نعيشه بغلاف ديني و روحاني يقدس الجهل و ينبذ العلم. إن الأمة التي لا تقرأ هي عديمة المستقبل و الأحلام، و إن الشعب الذي يعيش بعيدا عن الكتب هو شعب لن يستطيع أبدا النهوض و الهروب من حفر الجهل و التخلف.

إن تزييف وعي الشباب و جذبهم إلى مواعظ لا تسمن و لا تغني هو أحد أهم الأسباب التي قسمت ظهر الشعب العربي. لقد زيفوا التاريخ و دلسوا الأمور، لقد كذبوا علينا و على آبائنا و أجدادنا حينما حدثونا و حدثوهم عن ماضي هذه الأمة، لقد أبعدونا عن الكتب فابتعدنا عن العلم و سعوا إلى ربطنا بكتب الماضي لكي يحكموا سيطرتهم على عقولنا. يتحدثون كثيرا عن المؤامرات و هم أكبر مؤامرة عرفها العرب، لقد خدعونا بمواعظ لا علاقة لها بالواقع و عملوا على ابقائنا مخدرين مستعملين سياسة التجهيل و الاستحمار. إن تحدثنا عن إعمال العقل اعتبر الأمر بدعة و إن نادينا إلى قراءة الكتب استعاذوا بالله من شيطان المنطق، إن سعينا وراء علم الغرب لنفيد أمتنا اعتبرونا نواليهم و نقدسهم على المسلمين و إن حاولنا و لو قليلا نقد التاريخ و بيان الحقيقة لهذا الشعب تعالت صيحاتهم باسم الفتنة و حكموا علينا بالاعدام لأننا لا نوالي السلف الصالح. إنني أقصد بكلامي فئة جاهلة لا تريد إعمال عقلها و الاجتهاد في أمور دنياها، هي الفئة التي تعتبر نجاح الغرب ابتلاءً و فشل العرب اختبارا بينما الحقيقة أن الدنيا و عبر تاريخها الطويل أثبتت لنا أن السماء لا تساند الجهلة و إنما تقف إلى جانب المبدعين و المفكرين. إنهم يرون في كل كتاب دعوة إلى الكفر، و يعتبرون أن كل نداء للقراءة و المطالعة و الفحص و التدقيق إنما هو مؤامرة ضد الإسلام و يا لها من مؤامرة! إنها مؤامرة لا تعيش إلا في عقول الخائفين و المتطرفين!

إن القراءة و المطالعة هي الطريق لنهضة حقيقية، لا يمكن للغير أن يزيف وعيك إلا إن كنت أنت جاهلا، و لا يمكنك إن لم تكن مثقفا و واعيا أن تقوم ببناء بلدك و إن حاولت فعل ذلك عن طريق ثورة جاهلة أصبحت نموذجا للمثل القائل: انقلب السحر على الساحر! إنك بجهلك تساعد مستعمرك و لا بد من العلم لتستطيع اخراج المحتل من بلدك، لا تحاول أن تفكر بعقل غيرك و انما استخدم عقلك لأنه هبة إن لم تحسن استعمالها فلا فائدة لك في هذا المجتمع. لن تكون مواطنا صالحا ما لم تقرأ و تتثقف، بلدك يحتاج الكفاءات و المقفين و ندرة هؤلاء هي ما سببت التخلف و الرجعية فعندما يسند الأمر لغير أهله لا تنتظر غير كارثة تدمر مجتمعك.

صدق من قال أن الأمة العربية لا تقرأ! إن انعدام القراءة يخلق مجتمعا غير متوازن كما سبق و قلنا آنفا، انعدام الثقافة يدفع بالشباب إلى خيارات جهنمية فعوض أن يكبر الوعي الثقافي لديهم فإنهم سيعيشون في القرن الحادي و العشرين بمبادئ و أفكار القرن الرابع هجري و هذا سيتسبب في هجرة و غربة ثقافية تدمر المجتمع و تنشر الجهل بين أفراده. لا يمكنك أن تحاول التقدم و أنت لا ترفع كتابا، و لا يمكنك تأسيس نظام حكم جيد و وضع برنامج سياسي جدير بالاحترام ما لم تدرس و تتعلم و تقرأ و تطالع. لا تسمحوا للغير بأن يستخدمكم طبقا لما يريد و يبتغي، كونوا أيقاظا و أحرارا و فكروا و تعلموا و أدرسوا و تثقفوا فهذا سيمنعهم من الكذب عليكم و التدليس على عقولكم و استغباء وعيكم. لا يمكن أن يسيطر أحد على عقلك ما لم تسمح له أنت بذلك و لا يمكن أن يستخدمك و يستغلك أحدهم دون أن توفر له الظروف المناسبة و هي: الجهل و انعدام الثقافة و الابتعاد عن الكتب. لا تسمعوا لمن يحاول صدكم عن القراءة لأسباب غبية، و لا تسمحوا لأحد أن يمنع عنكم الثقافة باسم دين أو مذهب معين، الله لا يحابي الجاهل و لا يساند إلا العالم و المثقف. لا تجعلوا أنفسكم فريسة سهلة لمن يريد منكم البقاء في الزوايا و قراءة العلوم الشرعية، بل اعملوا على الاستفادة من كل مناهج العلم و منابعه. من لم يحترم وعيكم و حريتكم في الاطلاع و القراءة فهو لا يريد الخير لكم و لو ادعى غير ذلك، إنما يريد أن يساهم في تركيعكم و اخضاعكم لسلطة قاهرة تدرك تمام الادراك أن السماح لكم بالقراءة و الثقافة سيكون بداية نهاية هؤلاء المتجبرين و الخونة. العلم ثم العلم ثم العلم و هذا لن يأتي إلا عبر القراءة ثم القراءة ثم القراءة.

و أختتم بكلمات كتبتها بأسلوب أحد المفكرين العظماء:

سيصرخون ضد القراءة و سيقرأ الشعب !

سيصرخون ضد الثقافة و سيتثقف الشعب !

سيصرخون ضد الكتب و سيقتنيها الشعب !

سيصرخون ضد الفكر و سيطلع الشعب !

سيصرخون ضد اعمال العقل و سيستخدمه الشعب !

سيصرخون ضد الحرية الفكرية و سيتحرر الشعب !

سيصرخون ضد المنطق و سيعمل به الشعب !

سيصرخون ضد العلوم و سيدرسها الشعب !

سيصرخون و يصرخون، ستتعالى أصواتهم ليل نهار، و سيحاولون منع أبناء هذا الشعب من حق مشروع لهم، سيعتبرون الأمر مؤامرة و سينددون مرارا و تكرارا و لن يستمع لهم الشعب، و في الأخير سينقلب الأمر عليهم و سينبذهم الشعب و لن يكون لهم في المستقبل أي قيمة و لا فائدة.. و إنما سيكونون فقط مرحلة صعبة مرت بها هذه الأمة العظيمة و استطاعت المرور منها بسلام.

أصرخوا قدر ما شئتم، كرروا كلماتكم و لتتعالى أصواتكم فوالله لن نتوقف، سنقرأ و نقرأ و نقرأ و لن نتوقف حتى نفضح ألاعبيكم، سنُعْمِلُ عقولنا و سيحترمنا العالم لذلك، و ابقوا أنتم كما أنتم: مناهضين للفكر و الكتب و القراءة فما عسانا نفعل للجاهل إن هو أبى التعلم؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*