“الوهراني”، أزمة فيلم مع رجال الدين!

لقطة من فيلم "الوهراني"

لقطة من فيلم “الوهراني”

منذ أيام، عرض فيلم “الوهراني” في السينما الجزائرية، الفيلم تدور أحداثه حول الهوية الجزائرية و الثورة و يقدم صورة جديدة “غير مألوفة” لما يعتقده البعض ثورة “دينية إسلامية” حيث نجح المخرج “إلياس سالم” في فيلمه الذي اعتبره رجال الدين الجزائريون “هجوما صريحا على مقدسات الشعب والدين” وتزويرا لتاريخ يعتقدونه أبيض خاليا من الشبهات.

 

بداية، أود شكر المخرج “إلياس سالم” على المجهود الكبير الذي قام به و على إخراجه لهذا الفيلم (رغم أنني لم أشاهده بعد لكن أنوي ذلك في قادم الأيام)، كما أريد القول بأن حرية الإبداع مضمونة ولا حدود لها. شكرا يا سالم!

 

لم يفاجئني على الإطلاق كلام شيوخ الدين، ولم أندهش عندما سمعت أخبارا عن زوبعة النقد “الديني” الذي تم توجيهه للمخرج، فأنا أدرك تمام الإدراك أن هناك عبادا لا يؤمنون بحرية الفكر فكيف يؤمنون بحرية الإنتاج والإبداع؟! لقد كنت أنتظر حملة “أشرس” إن صح التعبير، كنت أنتظر فتوى تهدر دم المخرج و الممثلين، كنت أنتظر سيوفا وبنادق، كنت أنتظر تكفيرا وإخراجا من الملة لكن يبدو أن أسلوب السلفيين هذه المرة كان هادئا (رغم أنني لا زلت أنتظر زوبعة أخرى فلا أصدق أبدا أن الزوبعة الحالية قد انتهت!).

 

من الواضح أن هناك أشخاصا يعتقدون أنهم وكلاء السماء هنا، لقد تحدثت كثيرا عن المتطرفين لكن ما قاموا به ضد هذا الفيلم و مخرجه أصابني بالتشاؤم لأنني أدركت في الأخير أن محاولة إصلاح فكرهم مستحيلة!! اليوم في بلدي، أصبح رجل الدين ناقدا سينمائيا، والإرهابي مفتيا، والإمام وكيلا على الفن. أصبحت السينما تقاس بمعايير دينية لا بمعايير فنية، أصبح البعض ينادي بمنع الأفلام لأنها تعارض (حسب رأيه) الشرع وتسب الله وتزور التاريخ، أصبح البعض يطبل ويهلل فرحا عندما يفتي إمامه بحرمة مشاهدة فيلم ما (دون أن نتحدث عن حرمة الغناء فذلك لا نقاش فيه من وجهة نظرهم).. يطلقون على أنفسهم لقب الشيخ السلفي، رجل الدين، والإمام، فبالله عليكم أي دين دينكم وأي إله إلهكم؟!

 

أتعجب عندما تتحدثون عن التاريخ و تقولون إن المخرج زوره بينما مزوروه الحقيقيون هم أنتم! وأتعجب أكثر عندما تكذبون على هذا الشعب العظيم قائلين بأن الثورة الجزائرية ولدت إثر نضال “جمعية العلماء المسلمين”، أوصل بكم الحد إلى الكذب علينا ونحن أحياء نرزق؟ بربكم منذ متى أصبح المجاهدون الجزائريون إسلاميين؟ بربكم منذ متى كانت الثورة لأجل دين لا لأجل وطن؟ بربكم منذ متى أصبح شعار المجاهدين “دولة إسلامية” فعلى حد علمي بيان أول نوفمبر كان واضحا و نادى بدولة ديمقراطية؟ نعم كانت في إطار المبادئ الإسلامية، لكن أنتم تغفلون عن شيء مهم: المبادئ لا تعني تطبيقا حرفيا لشريعة معينة باجتهاد القرون الأولى لهذه الشريعة. عليكم التفريق بين المبادئ والشريعة فهناك فرق كبير وجوهري قد ينسف فكركم دون أن تنتبهوا.

 

ثورتنا لم تكن من صنع الإخوان، ثورتنا لم تخرج من رحم المساجد، ثورتنا ليست نتيجة لتعبئة دينية شعبية… لا، ثورتنا شارك فيها المسلمون والمسيحيون، ثورتنا عرفها المتدين الذي لا يفارق الزوايا والسكير الذي لا يبتعد عن زجاجة الخمر، ثورتنا جمعت شعبا على أساس “المواطنة” و ليس على أساس الدين، ثورتنا كانت لبلد ووطن ولم تكن لمذهب أو فكر معين، لقد اجتمعنا قبل ستين عاما على كلمة واحدة “تحيا الجزائر” و اليوم تريدون جمعنا على نداء آخر “لا للجزائر، و نعم للخلافة” وهذا أيها المتأسلمون الدواعش لن يحدث أبداً!!

 

تدعون إلى ممارسة الرقابة على مؤسسات الفن، جميل! الرقابة يجب أن تمارس عليكم وعلى كتبكم ومناهجكم، الرقابة يجب أن تمارس على فكركم و شيوخكم، الرقابة يجب أن تمارس على من يقتل الناس لا على من ينتج ويعمل ليخرج فيلما للعامة. منذ متى أصبح ديننا يرفض الفن؟ رجاء، ابتعدوا عنا وعن حياتنا، مارسوا رقابتكم في كهوفكم واتقوا الإله الذي تعبدون فهو جميل لا يرضى بغير الجمال، ابتعدوا عنا وعن معيشتنا فقد سئمنا من الفتاوى المتكررة والتي أوجعت قلوبنا ونغصت عيشنا، ابتعدوا عنا واختفوا عن أيامنا فلا أحد يقوم بمؤامرة غيركم ولا أحد يسيء للدين إلا أنتم ولا أحد يحارب الابداع إلا بفتاويكم، ابتعدوا عنا وهاجروا إلى الصحراء فهي بحاجة لخلافتكم أما نحن فقد رضينا بهذه الديمقراطية (الكفرية) وبهذا الإبداع (المنسلخ عن الدين) و بهؤلاء الممثلين (الذين يجهرون بالمعصية) وبهذا المخرج (الذي تعدى على حرمة الدين والمقدسات).

 

لسنا بحاجة لأحد ليقيم لنا ديننا و لسنا بحاجة لأشخاص يريدون تفريق البلاد والعباد باسم الدين… أنتم تتاجرون بالدين، تقتلون بالدين، تنحرون بالدين، تسجنون بالدين، تُكَفرون الآخرين بالدين، تخرجوننا من الملة بالدين، أما آن الأوان لنتبرأ نحن منكم ومن منهجكم بالمقابل باسم الدين؟! أما آن الأوان لنطردكم من هنا باسم الوطن الواحد؟ أما آن الأوان لنعيش في سلام مع بعضنا فقد كرهنا الحروب، كرهنا الأزمات، كرهنا العداوة التي تشتعل كل يوم.. رجاء، اتركوا الجزائر و شأنها فهي أفضل حالا بدونكم، اتركوا الشعب و شأنه فهو أرقى وأكثر تحضراً بدون كلامكم، اتركوا الدين و شأنه فهو أنقى وأجمل بدون جهلكم!

 

لستم أوصياء على الأخلاق ولستم حماة للدين والرب. لستم أنتم من تقولون عن الثورة إسلامية بل الكتب والمراجع التاريخية هي ما تبين حقيقة الأمور و ندعوكم بصدق إلى تنوير فكركم وقراءة الكتب و المؤلفات، و التثقف! فأزمات اليوم لا تحل بمنع فيلم من العرض، و مشاكل الجزائر لا حل لها غير وجود الكفاءات، ومعضلات العصر لا سبيل معها إلا الاجتهاد لفهم الدين بمنظور آخر يتأقلم مع العصر. كل الشكر لأولئك المثقفين (ومنهم حتى بعض الإسلاميي) الذين احترموا جهد المخرج و الممثلين ولم يدعوا إلى منعه، كل الشكر للمفكرين الإسلاميين الذين أدركوا أن الاجتهاد اليوم واجب على الجميع، كل الشكر لمن يحارب الفكر بالفكر ويمنع القتل والتكفير ورفع السلاح.

 

ملاحظة: أعتذر عن الغياب أعزائي القراء لأسباب و ظروف خارجة عن إرادتي و رغبتي، سأدون بصفة أكثر انتظاما في قادم الأيام فلا زال هناك الكثير لأتحدث عنه.

 

3 thoughts on ““الوهراني”، أزمة فيلم مع رجال الدين!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*