نعيمة صالحي وتعدد الزوجات في الجزائر

تعدد الزوجات.. مشكلة جديدة في الجزائر.

تعدد الزوجات.. مشكلة جديدة في الجزائر.

في منتصف الشهر الجاري، أعلنت “نعيمة صالحي” وهي سياسية جزائرية ذات توجه إسلامي وزعيمة حزب العدل والبيان في الجزائر دعمها لتعدد الزوجات معلنة بأنها ترى بأن هذا الأمر هو الحل للمشاكل الأخلاقية ومشاكل العنوسة التي يعاني منها المجتمع الجزائري. “نعيمة صالحي” تستند في هذه الدعوى إلى رأي الشرع الإسلامي الذي يحلل أربع زوجات للرجل الواحد دون قيد. بالطبع، أثارت هذه الدعوى زوبعة سياسية وإعلامية حيث تعالت الأصوات المنكرة لهذا الكلام والمنتقدة لرأي هذه السياسية، كما أبدى البعض تحفظه الشديد على مثل هذه الأقوال متحجا بالقانون الذي يفرض قيودا كثيرة على تعدد الزوجات، قيودٌ تكاد تجعل من الأمر مستحيلاً!

ليس هدفي هنا انتقاد الشخصية بعينها بل نقد الفكرة، الشخصية حرة في التعبير عن رأيها مادامت لا تدعو للعنف و مادام الشعب هو من يقرر ومادامت حرية التعبير مكفولة بالدستور والقوانين. إن فكرة تعدد الزوجات هي دعوة لا شك أنها قد تلقى رواجا كبيراً عند فئة معينة من الشباب، الفئة التي لا تقتنع بزوجة واحدة و التي (و لنكن صريحين) ترى في الزواج جنسا و سريرا عوض أن تراه بناء لأسرة وبناء لمجتمع، تلك الفئة نفسها التي تهلل وتطبل فرحا لهكذا دعوى غير مدركة أن الظروف الاجتماعية تمنع التفكير في مثل هذه الأمور، والظروف الاقتصادية للشعب الجزائري تحظر عليه أن يذهب بباله وتفكيره إلى مثل هذه الأماني.

تعدد الزوجات كان ممكنا يوم كانت ظروف الحياة سهلة، يوم كانت الرزق متوفرا وفرص العمل متعددة، يوم كان الرجل يستطيع أن يتزوج في سن العشرين لا أن ينتظر إلى حدود الأربعين، يوم كانت كما نقول نحن الجزائريون “النية حاضرة والمعيشة ساهلة”! أما الدعوة لمثل هذا الأمر في هذا الوقت بالذات فهي دعوة لا أساس منطقيا لها، نصف الشعب يعاني من الفقر الذي ينغص عيشه، و جل الشباب عاطلون عن العمل لا يستطيعون حتى القيام بواجبهم و بمسؤوليتهم اتجاه زوجة واحدة فما بالك اتجاه إثنتين أو ثلاث أو أربع؟! إن الأمر يكاد يكون مستحيلا إن لم يكن مستحيلا بالفعل عند عامة الشعب أما تلك الفئة الميسورة فهدفها من الزواج الثاني أو الثالث أو حتى الرابع ليس الإنقاص من نسبة العنوسة و إنما هدف جنسي بحت فأحدهم يبتعد عن زوجته عندما تبلغ سن الأربعين أو الخمسين و يريد أن يعيش حياته مع شابة فيعطيها مالا و تعطيه جسداً وهذا بنظري منطق سقيم وغير أخلاقي بل وغير إنساني بالمرة.. على كل حال، لكل شخص حياته الشخصية ولا يهمني تصرفات العباد ماداموا لم يؤذونني ولم يتجرأوا على المساس بحريتي وكرامتي ووطني!

قد يرد أحدهم: أ تنكر شرع الله أيها الزنديق؟ أ تتطاول على أمر أقره كتاب الله؟ أ تسول لك نفسك المطالبة بإلغاء ما فرضه الله رحمة بالعباد؟ تمهل أيها العزيز، خذ نفسا عميقا وأكمل قراءة المقال، فلست شخصا ينظر للنصوص الدينية نظرة اعتيادية بل نظرة تأمل، و لست من أولئك الذين يأخذون بعموم اللفظ ولا ينتبهون إلى ظروف وأسباب نزول الحكم وإقرار الشرع لأمر معين.. أنا أبحث عن مقاصد الشريعة وأتبعها بعد مقارنتها بالعقل الذي لا يمكن أن يخالف الشريعة الحقيقية. تعدد الزوجات كان أمراً عاديا في الجاهلية و الإسلام لم يقم إلا بتقنين قواعد هذا التعدد، وهذا الأخير أصلا كان لظروف معينة و لم يكن أمرا يرفضه المجتمع بل يدعو إليه وهذا هو الفرق بين الأمس واليوم، بين الماضي والحاضر، بين عصرهم وعصرنا.

إن تجاوزنا المسألة الإجتماعية والإقتصادية، وصلنا إلى معضلة أكبر وهي العدل بين الزوجات.. إن المرأة إنسان قبل أن تكون زوجة وحقوقها واضحة وظاهرة لا يختلف في اقرارها اثنان، والتعدد يطرح مشكلة كبيرة وهي قدرة الزوج على العدل النفسي (لا نتحدث عن العدل المادي فهو قد يكون ممكنا إن كان للزوج قدرة على الانفاق)، وهنا يصبح الأمر أعقد فمن منا يتحكم في قلبه؟ بل ومن منا من يستطيع انكار قدرة تلك المضغة على تغيير ما لا يغيره العقل في حياته؟ أ نستطيع العدل بينهن؟ أ نستطيع أن نحبهن بنفس الطريقة؟ أن نغدق عليهم بالحنان بكميات متساوية؟ أن نمضي أيامنا مع الأولى كما نمضيها مع الثانية و الثالثة؟ مستحيل ومن قال بامكان ذلك فهنيئا له فهو لا يملك قلبا و إنما يملك فندقاً! ومن هنا نصل إلى أن عدم العدل يؤدي إلى ظلم المرأة وبما أن الظلم شيء منهي عنه أخلاقيا بل و مرفوض انسانيا فعذراً، انسانيتي تمنعني من ظلم زوجتي الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة.

لعل من أقوى الحجج التي قدمتها “نعيمة صالحي” هي أن الضرة (الزوجة الثانية) خير من الخليلة! لكنها حجة ستبدو ضعيفة للغاية إن طرحنا السؤال: ما سبب لجوء الزوج أصلا إلى الخليلة؟ السبب هو عدم اكتفاءه عاطفيا أو جسديا (جنسيا) بالزوجة الأولى و هنا الخطأ يقع على الزوجين فلو كانا يعيشان حياة جميلة يملأها الحب لما فكرا لا في الطلاق و لما فكر الزوج في مرأة أخرى.. حل المعضلة هنا ليس بتحويل الخليلة إلى الزوجة بل هو بمنع الوصول أصلا إلى مرحلة الخليلة أو الاعجاب بالخليلة و ذلك بتفادي البرود في العلاقة الزوجية. إذا منطقك أيتها الأخت غير صحيح، وتشوبه الكثير من الأمور. و كإضافة سريعة: الرجل المتزوج الذي يعجب بمرأة أخرى، أو يتعلق قلبه بأنثى ثانية، أو يرجو الزواج بأخرى غير زوجته.. كل هذا معناه أنه لم يحب ولم يقدر ولم يحترم زوجته كفاية فمن أحب زوجته و رفيقة حياته حقا لن يجرأ حتى على المساس بكرامتها و الحاق الأذى النفسي بها فما بالك بالزواج عليها!

أنا مع بقاء القانون الحالي الذي يقيد حرية التعدد، إن رضيت المرأة الأولى بذلك فهي حرة، أما أن ندعو إلى فتح المجال للزواج الثاني دون موافقة الزوجة الأولى فهذا اغتصاب لحياة المرأة الأولى، بل اعدام لكرامتها وتعدى على خصوصية الزواج. لهذا يا أختاه، إن رضيت بضرة فذلك شأنك و أنت حرة طبعاً ولا حرج في الحرية أما محاولتك تمرير قانون يكسر روابط الزواج فهذا غير مقبول بالمرة، وعوض أن نداوي (كما تقولين) ما تصفينه بمشكلة الخليلات، سنحظى بمزيد من المطلقات ومزيد من النفقات ومزيد من الكره والحقد بين الأزواج.

لا تبخلوا علينا أيها القراء الأعزاء بآرائكم وخصوصاً انتقاداتكم، فأنتم كما يقولون “على الرأس والعين”.

2 thoughts on “نعيمة صالحي وتعدد الزوجات في الجزائر

  1. أتفق معك في صعوبة اتخاذ زوجتين او ثلاث او رباع في وقتنا الحالي ، لكن لا أتفق معك في أن زواج الزوج من ثانية يُعتبر إهانة للاولى ، و لو كان كذلك لما قبل ربنا عزوجل الإهانة للزوجة ، فكيف يقبل عزوجل بهذا و هو من بجل المرأة و رفع من قيمتها ، و أنا أوافق رأي الأستاذة الكريمة نعيمة صالحي في أن التعدد هو الحل الأمثل لتفادي الإنحلال في المجتمع و كذلك الإنقاص من نسبة العوانس في بلدنا ، و يبقى هذا مجرد رأي شاب جزائري

    • أهلا بك عزيزي، وشكرا على التعليق 🙂 الله أنزل الآية في شروط معينة، في ذلك العصر كان الأمر عاديا ولا حرج فيه وحتى الجواري كان أمرهن عاديا لأبعد حد، الإسلام لم يأت بشيء جديد بل قنن شيئا كان موجودا و اعتاد عليه العرب في ذلك الوقت، أما في الوقت الحالي فكما ورد في المقال: فتح المجال دون قيود هو الأمر الذي فيه اهانة للمرأة. لست أقول بأن تعدد الزيجات هو الأمر الذي فيه اهانة للمرأة لأنني بهذا سأقول أن الآية فيها اهانة للمرأة، بل أقول أن الأمر في هذا العصر وبدون شروط وقوانين تضبطه وتقننه هو ما فيه اهانة للمرأة. الله أجل المرأة وهذا صحيح لكن الكثيرون يستغلون آية نزلت في وقت معين لشروط معينة لظروف معينة ويحاولون تطبيقها دون النظر إلى شروطها ولا لظروفها. بالنسبة لرأيها، فقد تناولته مقدما أدلتي، ولا بأس باعادة بعض الأشياء، كونه الحل الأمثل لتفادي الإنحلال في المجتمع فالإنحلال من وجهة نظري نحاربه عبر توفير المرافق للشباب واعطائهم أشياء أهم ليركزوا عليها كالبحوث والمطالعة عوض أن يركزوا على الأنثى وجسمها. أما بالنسبة للانقاص من نسبة العوانس، فالعوانس ننقصهن بتوفير الإمكانيات للشباب ليتزوجوا وهذا أرى فيه خيراً كبيراً لتفادي مشاكل تعدد الزوجات أولا وأيضا لاعطاء فرصة الزواج للجميع يا عزيزي.. هذه وجهة نظري على كل حال وأتمنى أن تتقبلها 🙂 شكرا مجددا 🙂

اترك رداً على zineghebouli إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*