شيخ سلفي يهدر دم الكاتب الجزائري “كمال داود”

2014-hamadache_213510367 إن حرية التعبير مكفولة بالدساتير و القوانين الدولية و لا يجوز لأي أحد مهما بلغ من منصب أن يمنع شخصا حرا من التعبير عن رأيه. لكن الأمر يختلف بالنسبة للإسلاميين في الجزائر فقبل أقل من أسبوع، ظهر الكاتب الجزائري “كمال داود” على شاشة فرانس 2 في بلاتو حصة “On n’est pas couché” و تحدث عن بعض من آرائه فيما يخص قضية العروبة و الهوية الجزائرية. أيام قليلة بعد ذلك، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي فتوى بهدر دم الكاتب، هذه الفتوى قام باصدارها عبد الفتاح زراوي حمداش الذي يُحْسَبُ على السلفية في الجزائر و هو بالفعل مسؤول جبهة الصحوة الإسلامية التي هي عبارة عن حزب غير معتمد و ينشط بطريقة لاقانونية و سبب الفتوى كما قال حمداش عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك) هي أن “كمال داود” تجرأ على التطاول على الدين الإسلامي و سب الله و حارب العربية التي هي لغة القرآن.

لقد أثارت الفتوى ردود فعل كثيرة و استهجانا واسعا من طرف الطبقة المثقفة في الجزائر، هذه الطبقة التي رفضت تقييد حرية الروائيين و الكتاب بسبب فتوى لشيخ سلفي. كما قام الكاتب “كمال داود” بإيداع شكوى قضائية ضد الشيخ السلفي في إنتظار قرار المحكمة.

إن دعوة عبد الفتاح حمداش هي دعوة صريحة للقتل و لا مجال لتجميل أو تزييف الوقائع، ما يطالب به هذا الشيخ السلفي (الذي يذكر أنه قد استفاد من قانون المصالحة الوطنية) هو ببساطة قتل و اعدام الروائي الجزائري علنا و هذا تطبيقا لحد الردة كما يقول. حسنا، أعتقد أنه حينما يصل الأمر بالبعض إلى تهديد الروائيين، لا بد لنا من نهضة جدية و حقيقية للوقوف في وجه هذا التطرف المقيت.

إن الله ليس ملكا لأحد، و دينه لا يحميه أحد، و مقدسات الإسلام ليست بيد أحد، لا بيد حمداش و لا بيد غيره من القيادات السلفية. و التجرأ على المطالبة بقتل مواطن جزائري ذنبه الوحيد أنه تحدث في بلاتو قناة عالمية عن آرائه هي دعوة للخروج على النظام العام و الدوس على القوانين التي يعتبرها البعض “وضعية و كفرية”. ليست مشكلتنا مع تدين العباد، أنت حر أن تتدين و تمارس عقائدك، لكن عندما تتحول من التدين إلى المطالبة بالقتل و الاعدام، هنا لا يبقى تدينك قضية شخصية و حرية فردية بل يصبح قضية أمة و أمن دولة و حماية مواطن و هنا تسقط كل الاعتبارات الأخلاقية فمن يطالب بقطع رأس شخص معين بسبب كتاباته لا يستحق إلا أن يعامل بمنطق الأمريكيين مع الإرهابيين حيث لا نقاش و لا حوار و مفاوضات معهم، قوة القانون هي من تتحكم هنا.

لقد سمحنا نحن الجزائريون في التسعينات بأمثال هؤلاء لكي يعبروا عن رأيهم، فبدؤوا يومها بالحديث عن لحية الرجل و حجاب المرأة، ثم تجاوزوا الأمر للدعوة العلنية و عدم احترام حقوق و خصوصيات الناس، ليصلوا بعد مدة إلى العنف الجسدي و القتل إن لزم الأمر ضد كل من يخالف رؤيتهم للدين، ضد كل من لم ينتخبهم، ضد كل من وقف في وجوههم سواء لأنه يريد دولة علمانية أو لأنه يرفض ببساطة استعمال الدين كرداء و غطاء للوصول إلى الحكم. اليوم، إن نحن سمحنا مجددا لنفس الأشخاص الذين كانوا سببا بشكل أو بآخر فيما وصلنا إليه، إن نحن سمحنا لهم مجددا بقول نفس العبارات و التنديد بنفس الأشياء و المطالبة بنفس الأمور فلا يمكننا إلا أن توقع كارثة تحل على الجزائر، لا يمكننا إلا أن نقول أن الجزائر تنتظرها أيام عجاف فأشخاص كهؤلاء مستعدون للتضحية بمئات الآلاف من الأرواح في سبيل الوصول إلى الحكم و تطبيق الشريعة التي يصيحون بها ليل نهار و إقامة دولة الخلافة التي يحلمون بها في كل الأوقات، و لا مجال للشك بأن مشروعهم السياسي مشروع فاشل، هذا إن كانوا يملكون مشروعا أصلا!

إن أول خطوة لقتل المفكرين و الكتاب و الروائيين هي عبر تكفيرهم، من كفرك فقد أعطى ضوءاً أخضرا للإرهابيين الأغبياء لكي ينهوا حياتك و يضعوا حدا لإنجازاتك و مسيرتك. نفس الأمر حدث مع فرج فودة، المفكر المصري العظيم الذي طالب بدولة علمانية، و مع نجيب محفوظ، الكاتب المصري الذي كفر بسبب روايته و نجى من محاولة اغتيال لم تشء لها أيدي القدر إلا أن تفشل، و مع طه حسين حين كفروه و زندقوه، و مع ابن سينا و ابن رشد و غيرهم. نفس الأمر يحدث دائما و بنفس المنهج: زندقة ثم تكفير ثم فتوى بالقتل ثم اغتيال. و للأسف، دائما ما ننتبه للأمر بعد فوات الأوان و الدليل أننا للآن لم نقم بحركة جريئة لحماية الكاتب الجزائري من ما تخطط أيدي الغدر لفعله، مما تخطط عقول الصارخين “و اسلاماه، و اسلامآه!” للقيام به.

إن مشكلة الوعي الجزائري تتلخص في كونه يضعف أمام أصغر دعوى من رجال الدين، و كأن رجل الدين لا يكذب و لا يدلس و لا يريد مصالحه. الشعب الجزائري ينظر بعين الرضى دائما للشيوخ و كأنهم هم من يملكون مفاتيح الجنة و النار، و كأنهم هم من يحكمون على حياة الآخرين، و كأنهم هم من سيخرجونه من الضائقة المالية و الاجتماعية التي يعيشها. لابأس بحب الدين، لا بأس بالتدين، لا بأس بالركوع و السجود و دخول المعبد و المسجد، لكن الطامة الكبرى حين نسأل المشايخ و نستفسرهم عن حكم إنسان معين، عندما نطلب منهم رأيهم “الفقهي” في أناس لم يقوموا بأي خطأ، و المشكلة العظمى التي لن تخرج منها الجزائر بخير هي حين يفتي الشيخ بقتل شخص لأنه في نظره “كافر، زنديق خارج عن الملة”. فبئسا و تعسا لنا حين نترك المفكرين و نجري وراء “ذوي اللحى”!

إن دعوة حمداش هي دعوة مقيتة لا أساس لها و لا سند، و يجب على الدولة الجزائرية تحمل كامل مسؤوليتها إن حدث مكروه للروائي الجزائري، يجب أن يوضع الشيخ السلفي في غرفة الاتهام و يمر إلى السجن كي يرتاح الشعب منه و من الفتاوي التي يصدرها و التكفير الذي يرمي به على العباد. يجب مراقبة نشاطات النوادي و الجمعيات المتطرفة و ايقافها بقوة القانون عندما تهدد أمن المواطنين فالحريات الفردية و حرية الابداع خطوط حمراء لا يجوز لأي شخص تجاوزها، إنها الركيزة لبناء دولة مواطنين لا دولة من الدواعش المتأسلمين.

و في الأخير، على القيادات السلفية الجزائرية المتطرفة أن تعلم جيدا أن زندقة المعارضين ليست أبدا سلاحا لهم بل هي نقطة عليهم، فإن كنا كفارا في نظر هؤلاء المتخونجين فالكفر شرف و إن كنا مرتدين في نظر الدواعش فالردة وسام على صدورنا. لا سبيل للذهاب لدولة ديمقراطية ما لم نعترف أن الوطن للجميع، و لا حل للخروج بالبلاد من حالة الركود السياسي و الاجتماعي التي تعيشها من دون التصريح سراً و علنا أن الجزائر بحاجة لمفكرين، علماء، باحثين، و رجال علم و هي في غنى عن رجال الدين و المشايخ الذين لم يقوموا إلا بنشر الفتنة و الفساد بين أطراف المجتمع. نعم للحرية و الدولة الديمقراطية، لا للخلافة و القوانين الداعشية و قتل الناس.

10376300_10202380489748326_856365284794389804_n

فتوى حمداش.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*