مذكرات مواطن (1): انتهى السباق.. عودة لأولويات الجزائر!

و ينتهي سبق "الكان" بالخسارة.

و ينتهي سباق الجزائر في “الكان” بالخسارة.

خرجت الجزائر أمس من سباق كأس إفريقيا بعدما كانت من بين المنتخبات التي توقع الكثيرون أنها تملك فرصة كبيرة لنيل اللقب، خروج ربما كان صعبا على الجزائريين خصوصا أولئك الذين وضعوا آمالا كبيرة في هذا المنتخب، كثيرون لم يتوقعوا الهزيمة بالأمس وكثيرون بدؤوا مباشرة بعد نهاية اللقاء في إلقاء اللوم على المدرب، اللاعبين، والحكم! إلا أن ردود الفعل الأكثر أهمية حسب رأيي هي تلك التي نادت مباشرة بالالتفات إلى مشاكل الشعب الحقيقية، بالنظر إلى ما يعانيه أبناء الجزائريين و الجزائريات في شتى ربوع الوطن، بالتفكير بالمشردين الذين لقووا حتفهم جراء موجة البرد الأخيرة، بالتفطن لمشكلة الإرهاب الذي يبدو أنه يريد العودة من خلال بعض الشخصيات.. نعم! أؤمن بأن الهزيمة كانت قاسية عزيزي “الشعب” لكن هناك أولويات، لذا.. فلنعد الآن للأولويات.

إن سياسة النظام تجد في النجاح الكروي للمنتخب وسيلة لتغطية فشلها، أكاد أجزم أن كبار أعضاء الحكومة شاهدوا المباراة بالأمس، أكيد أنا أنهم خافوا، فزعوا، ثم ارتعبوا خلال الثواني الأخيرة و كادت دقات قلبهم أن تتوقف بعد إعلان الهزيمة لأنهم يعرفون أنه لا وسيلة لهم للهروب مما صنعت أيديهم في صحراء الجزائر. الآن، الشعب لن يخرج من أجل “كرة” (مع احترامي لعشاقها)، الشعب سيحس بارتفاع الأسعار، الشعب سيعرف أن ماكان ينقصه ليس “كأسا” يضيفه إلى قائمة إنجازاته وليست “يوروهات” يضيفها الفاسدون في الإتحادية الوطنية لكرة القدم إلى حساباتهم السويسرية، بل ما ينقصه فعلا هو الكرامة، الحرية، و الديمقراطية.. ببساطة، تنقصه “الحياة”.

النظام العاجز الآن لن يخدرنا بحقنة “كروية” مرة أخرى، النظام العاجز اليوم سيعرف أن أجله قريب لأن “الأفيون” انتهى والشعب سيعاني وسيستيقظ، النظام العاجز الآن سيفهم أن الشعب سيشعر بعجزه ولن تنجح “الكأس الضائعة” في ابعاده عن مشاكله. كان من الأفضل أن نخسر، لست متحاملا على الفريق الوطني وليعلم الجميع أنني من أشد الداعمين له، ومن أشد الداعمين لألوان الجزائر في المحافل الدولية.. لكن بطبيعة الحال، أنا أرفض أن يتم استغلال نجاح كروي في تنويم الشعب، أرفض أن يتم اللعب على وتر الوطنية باسم الكرة، فنلقب نحن بالخونة لأننا ننتبه للمشاكل الحقيقية كما تمت دعوة كثيرة من المثقفين في التسعينات بالكفرة لأنهم أدركوا أن مشكلة الجزائر سياسية وليست مشكلة إيمان وكفر.. لهذا، اللعب بالوطنية، مثلما هو اللعب بالدين ليس سعيا للأفضل بل هو شعبوية مقيتة.

هؤلاء المسؤولون، هذا النظام الموجود منذ الاستقلال أو قبله بشكل أدق يعتمد بشكل أساسي على الشعبوية في بقائه، لديه مصالح اقتصادية سيمسها انهيار البترول (مثلما سيمس مصالح الشعب، لكن من يهتم مادام الخليفة الأعظم متكئا مستريحا في فراشه).. اليوم، الشعبوية يجب أن تنتهي، آن للنظام أن يرحل، آن للمسؤولين أن يحاسبوا، آن للخليفة أن يتقاعد في المحكمة، آن للشعب أن يذوق الحرية، آن للأمة أن تشعر بدفء الديمقراطية.. آن لنا أن نبتهج بالخسارة لأنها خسارة فريق لكنها مكسب وطن.

اليوم، لننظر لعين صالح، ولمحاربي الصحراء في تمنراست.. أولئك الذين رفضوا، رغم ضغوط النظام العاجز، أن يسمحوا لسياسة عقيمة بالمرور. إنهم أبطال، فمن يقف من أجل حقه رغم كل الظروف هو بطل، و سيبقى بطلا! لهذا، تحية كبيرة لهم، وليعلم هذا النظام أن رفض الغاز الصخري ليس عنادا ولا “زكارة” بل هو فقط موقف ومبدأ لأنه يحز علينا جداً أن نسمح لمصالح النظام بالمساس بمستقبل الأجيال. لا للغاز الصخري، لا لقتل الشعب مرة بعد مرة وببطئ.

اليوم، لننتبه لسعر البترول، ولمستقبل الجزائر. إن نظامهم عجز منذ أكثر من عقد ونصف في أن يبني اقتصاداً قويا، لذلك معذرة يا “معالي الوزير”، الوقت الآن ليس لمحاولة البناء، الوقت الآن هو لحمل حقيبتك و الخروج.. الآن فقط انتبهتم إلى أن البترول ليس مصدراً للرزق؟ ليس مصدراً لبناء دولة مؤسسات؟ دولة لا تخاف من الأزمات الاقتصادية؟! هنيئا لكم بهذا الاكتشاف وهنيئا لنا بسياسة التقشف إذن! كدت أن أنسى، ما رأيك أيها النظام في النقود التي أخذها صديقك القاطن في بلاد العم سام، أ لن تكفينا لحل مشكلة “التقشف”؟ ما رأيك أيضا بالنقود المبعثرة هنا وهناك، في نادي الصنوبر وواحات الخليج وفردوس بلاد الكفر والإفرنج (كما يسميها صديقكم الذي أدعوه بالكوليرا)؟ آه، لقد فهمت.. سياسة “التقشف” الحكيمة تمارس على الشعب وليس على أسياده.

اليوم، لنتذكر تلك الفتوى الأخيرة، الفتوى التي أجازت القتل. أين وصلت القضية على كل حال؟ لأنه كما كتب اليوم في جريدة “الوطن” الناطقة بالفرنسية، لازال النظام العاجز ساكتاً عن ما فعله ذلك الصديق الوفي الذي يستعين به رجال “أمير المؤمنين” في وقت الأزمات ليهدد المفكرين. قضية كمال داود لم تصل بعد لنهاية، ولن تصل.. في الحقيقة، لم يدهشني الأمر بل ما سيدهشني هو دخول ذلك “الحمداش” إلى السجن.. لأنه، ولنكن صريحين، كيف سيتخلى الحبيب عن حبيبته (والفاهم يفهم كما نقول في الجزائر).

مشاكل الجزائر أيها الأعزاء لا يمكن اختصارها في هزيمة فريق، المشاكل تكمن في الاغتصاب المستمر لهذا الوطن، لدستوره، لقوانينه، ولشهدائه. لذلك رجاءً ابتهجوا (وهاردلك للفريق الوطني على كل حال)، نعم خسرنا، لكن الخسارة أفضل للوطن حاليا. فلنعد الآن لمشاكلنا، مشاكلنا الحقيقية، فظاهرة “الوان تو ثري” لن تنفع في حالة انهيار النظام الاقتصادي، ظاهرة “الوان تو ثري” ليست خاتم سليمان.. الجزائر ليست بخير، والهزيمة ستجعل الشعب يتفطن لذلك.

لأجلك يا وطني، سنناضل ونناضل، و ليكتبونا في سجلاتهم خونة لك، فالتاريخ سيشهد في الأخير أننا ضحينا من أجلك.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*