مذكرات مواطن (2): الفيس، العشرية، الإسلاميون.. الوطن من وراء القصد!

الرجل الثاني في الفيس.

الرجل الثاني في الفيس.

قد يختلف الأشخاص وتختلف اديولوجياتهم، قد تتعدد الآراء داخل الوطن الواحد ويشتد الصراع بينها، قد تنهض الأطراف السياسية وتبدأ في النقاش والجدال مقدمة البرامج التي وصل إليها مناضلوها.. قد نختلف في التفاصيل لكننا نشترك في الأهم: حب الوطن! لا يمكن لشخص أن يعمل ضد وطنه إلا إذا كان خائناً أو جاهلاً، ولا يمكن لديانة أن تجبر متبعيها على كره بلدانهم وأراضيهم فالانتماء إلى الأرض روحي قبل أن يكون جسدياً.. وفي النهاية، أ لم يرفع المواطنون الأحرار أعلام بلدانهم في كل مناسبة؟ إنه الشعور بالوطن، والشعور بالانتماء لهذا الوطن!

لهذا كله، أجد غرابة كبيرة حين يعمل البعض على تكسير بلدانهم، على تشويه سمعتها والمتاجرة بها في سوق “نخاسة البلدان”، إنه لأمر مشين أن ترفع علما آخر لتنظيم يريد تدمير وطنك وتهلل به فرحاً، إنه لأمر عجيب أن تنفرد بنفسك في زاوية “الحياد” عندما يكون “وطنك” مهدداً، لا تعنيني المبادئ التي تؤمن بها، ولا تعنيني ديانتك أو عقيدتك.. كل ما يهمني هو أن أجدك حاضراً وفخوراً عندما ينادي الشعب بضرورة الإصلاح، أما أن تحارب الوطن بدعوى حماية “عقيدة وأخلاق الشعب” فهذا أمر مثير للشفقة!

طوال الأسبوع الفائت، تعددت تلك الأخبار القادمة من طرف الجهات “الإسلاموية” في الجزائر، أخبار تحس للوهلة الأولى بعد قراءتها كأنما هي كوابيس، تشعر وكأنما أنت نائم لكن الكارثة أن تدرك أنه ما تعيشه ليس كابوسا، بل حقيقة! نعم، اليوم في الجزائر، وفقا لادعاءات البعض، أصبح الجلاد ضحية والضحية استحال جلاداً!

مزراق، الإرهابي السابق الذي كان في صفوف “الجيا” (الجماعة الإسلامية المسلحة) يقول بأنه كان طرفاً كبيراً في الأزمة ومن حقه أن يكون طرفاً في الحل.. يا لها من عبقرية سياسية! يضيف هذا الرجل قائلا بأن علي بن حاج (الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للانقاذ التي تم حلها) له حقوق سياسية زاعما بأن “الجبهة” لم تفعل شيئا و”الجيا” لم تقم بمجازر. بعدها يأتي الأخ الكبير “حمداش” ويعلن عبر التلفاز بأن الجزائر دولة “مدنية إسلامية”، بأنه يقيم وزنا للشرع (كما يفهمه) أكثر مما يقيم للقانون، ويرفض في ذات الحصة الوقوف للنشيد الوطني، فأخبرني بالله عليك: أنت ترفض -بناء على فتوى طبعا- أن تنهض للنشيد الذي يحبه ويقدسه الشعب، ثم تأتي وتقول أنك تريد خدمة البلاد والشعب؟! لم أستطع أن أفهم هذا فنورني رجاءً! آه لو كان عبان وكريم وبن مهيدي أحياءً اليوم، ما الذي كانوا سيقولونه وهم يرونك؟

لقد كثر الحديث عن الإسلاميين، العشرية السوداء، وحقوق “الجبهة”. قبل كل شيء، الجبهة لا حق لها في الوجود السياسي، فقد كانت حزبا فاشيا يرفض الآخر، يكفر بالديمقراطية، يريد الهيمنة وما يزعمه “الموالون” أو كما نسميهم هنا في الجزائر “Pro-FIS” بأن حقوق الجبهة تم اغتصابها بعد ايقاف المسار الانتخابي أمر خاطئ. بداية، الفوز ب”الانتخابات” لا يعني أن تصعد فوق منابر المساجد وتدعو إلى انتخاب “مرشح الله”، ادخال المساجد في الحملة الانتخابية هو اغتصاب للدولة المدنية، لذلك قبل أن تحدثونا عن “توقيف المسار الانتخابي”، كونوا رجالا، كونوا صرحاء وحدثوا الشعب قليلا عن “تزوير الحملة الانتخابية”. ما ذكرته هو مثال فقط، فلا يمكن أن تصعد للحكم عبر الديمقراطية للقضاء على هذه الأخيرة وهذا ما فعله الفيس تماما عندما صرح أحد قادته بأن تلك الانتخابات ستكون آخر انتخابات لأنه الله سيحكم! وكأن الفيس له “وكالة شرعية” لتمثيل الله!

لا يفهم الشخص من كلامي أنني أوالي الجنرالات، لا أبدا! أنا كمواطن جزائري حر، أحمل النظام القائم والفيس مسؤولية 200 ألف قتيل، أحملهما مسؤولية آلاف المفقودين. لذلك، رحيل النظام العاجز ضرورة، والقضاء على بقايا الفيس أكثر من ضرورة، إنه “واجب شرعي”. المشكلة مع الفيس أنه لا يريد الاعتراف بأخطائه، الدليل أن قيادات هذا الحزب الفاشي لا تزال لليوم تتحدث بكل حرية، وترفض في نفس الوقت تحمل مسؤولية ما فعلته في التسعينيات. أيها “الإخوان المتدعشون”، الديمقراطية لا تعني أن تكفر بها ثم تدافع عنها، الحرية لا تعني أن تدعو لرفع السلاح ثم تقول “لم أفعل شيئا!”، الاختلاف حق لكن الاحترام واجب وأظن -ولتصححوني إن كنت مخطئاً- أن الدعوة لقتل العلمانيين هي دعوة للعنف والعنف لا يدخل في مجال النشاط السياسي بل هو بالأحرى دعوة للإرهاب تعاقب عليها قوانين الجمهورية.

إن أكثر ما يحزنني اليوم هو أن المناضلين الأحرار (سواء من حركات كبركات، بزاف أو حتى الذي لا ينتمون لأي تنظيم) يعانون من قمع الدولة، يعانون من الضغوطات، التهديدات والظلم.. لكن في نفس الوقت، فمزراق مرحب به في رئاسة الجمهورية، إنه شخصية وطنية! وعلي بن حاج لا يزال يتكلم وكأنه لم يفعل شيئا، إنه مناضل سياسي عانى من ويلات النظام! وحمداش داعية وفقيه يكفر الناس لكنه يملك الحصانة! وعباسي مدني في تلك “الأرض” يتنعم دون أي حساب! وغيرهم كأنور هدام، علي جدي، وحتى باقي الصغار لا يزالون يدافعون عن حق “وهمي” في الوجود.. آه على بلاد يكرم فيها الإرهابي ويجلد المناضل الشريف.

الجزائر دولة مدنية لها دستورها، والجزائريون ليسوا بحاجة لشخص يقوم بوزن أخلاقهم أو ديانتهم فهم أحرار، وهذا البلد هو مكاننا، هو ما يجمعنا تحت رداء المواطنة.. فلتناقش، فلتنحاور، فلننتقد لكن في إطار سلمي مدني ديمقراطي ومن أراد تجاوز هذا الإطار فسيجد القانون بانتظاره، الديمقراطية لا تعني العمل ضد الديمقراطية وحرية التعبير لا تعني أن تقول “نعم للحرب!”. احترام كل الآراء واجب قبل أن يكون حقاً، والدولة المدنية هي ما يضمن الحقوق، وليست الخلافة التي تنادون بها يا معشر “الدواعش”.

لذا، لقد رضينا بألقاب “الزندقة والردة”، رضينا بأوصاف “الكفر والفسوق”، رضينا بما تعتبرونه أنتم “معاداة لله ودينه”.. لا أحب إلينا أن نكون إلى جانب “الجزائر” بينما أنتم إلى جانب “خلافة القتل والتذبيح والحرق”.


ملاحظة: (الفيس) هو اختصار للجبهة الإسلامية للانقاذ.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*