مذكرات مواطن (7): المجتمع المريض.. ثالوث، محظورات وتمرد!

المجتمع المريض

المجتمع المريض

“ما عاد حرياً بي أن أبقى حبيس زنزانة فكرهم، وما عاد محببا إلي أن أوافقهم على ما تذهب إليه آراءهم، بل إن حق إنسانيتي وعقلي علي هو أن أكفر بما يقوله زبانيتهم ورهبانهم، فلتحيا حرية الفكر والقلم” هكذا سمعت روحي تصرخ قبل أن أبدا بكتابة الآتي، ليس هدف المدون إرضاء فكر الأغلبية بل واجبه أن ينتقد دون رهبة وتردد وقد يحسبونني خارجا على إطار “الذوق العام”، لكني عندما أرى وطني يغتصب يوما بعد يوم وشعبي ينتهك عرضه مرة بعد مرة، لم يعد السكوت ولا طأطأة الرأس ممكنين، لأن من يتغافل عن واقع المجتمع ليس إلا محباً للفسق الفكري والحضاري اللذين تفشيا.. لذا، وعلى وزن درويش هذه المرة، سجل أيها التاريخ.. قد كفرتُ بمجتمع يكفر بالآخرين وقد خرجت عن قانون وضعه قوم أرادوا سلب عقل وإنسانية الأمة، لهذا.. لا حرج، فليسموني خطراً، إلا أن الله يشهد أن كل الخطر إنما يأتي منهم، فلست أنا من حرم حرية التعبير ثم قام بتسمية ثالوث يغتال وعي الشعب بخصوصيات البلد وتقاليد الأمة.

لا أسمع إلا صراخهم وهم ينددون، يشجبون ويستغفرون.. كل أقنعة حريتهم المزعومة تتساقط تماما كأوراق الخريف عندما يخطو الحر فينا خطواته الأولى نحو ما قالوا عنه أنه حدود حمراء من تجاوزها أراد إقامة الحد على نفسه. في كل مجتمع محافظ ينافق نفسه والآخرين، تجد جماعة من القوم يحسبون أنفسهم رهبانا يبيعون صكوك الغفران والجنة.. يقررون إثنيتك، مذهبك، فكرك منذ أول لحظة تأتي فيها إلى هذه الدنيا، ويطالبونك باحترام حدود وهمية يحسبونها أسس المجتمع. كل تحضرهم وانفتاحهم وزقزقة عقولهم تتوقف إذا طالبت مرأة بحقوقها، أو إذا تكلم مفكر عن ثلاثة أشياء (دين-جنس-سياسة)، أو إذا طالبت أنت بعض الذكور بالتوقف عن مهازل يرتكبونها كالعادة باسم العادات، التقاليد والدين.. كأن لا دين إلا دينهم، ولا فهم إلا فهمهم، ولا مذهب إلا مذهبهم، ولا فكر إلا فكرهم.. فتبا لمجتمع يحسب نفسه قديسا!

إذا حدثته عن الدين، قال لك أنك تعتدي على حرمات الأمة.. وإذا حدثته عن الجنس، استغفر ورماك بالدياثة والفسق، وإذا حدثته عن السياسة، قال وما شأننا بها وكأنه ليس مواطناً.. لقد خلقت الأنظمة الدكتاتورية التي نقبع تحت وطأة عذابها صورة نمطية في أذهاننا تصور لنا الفضيلة فقط كما يراها الساسة لا كما هي حقيقة، واستعانت للقيام بذلك برجال الدين الذين لا يمكن للدكتاتورية أن تستمر بدونهم فهم الذين يفقدون كلامك كل شرعية وكل منطقية فقط بتلاوة أحاديث لا تصح لأنهم يعلمون أن الشعب يحب دينه.. والحقيقة، لسنا نحن أبعد الناس عن الدين بل هم، لسنا نحن من يحاربه بل هم، لسنا نحن من نريد خرابه واندثاره بل هم، فنحن لا نأكل أموال الفقراء ولا نقطع رؤوس الأبرياء.. أما إن كانت حرية التعبير والفكر تعديا على خصوصيات مجتمهم فالأكيد أن هذا الأخير لا يؤمن بدين الفكر الذي أخرج ابن سينا وابن رشد وجلال الدين الرومي.

لا حدود لحرية الفكر، فلا يعقل أن الله سيحاسبك على استخدام شيء هو من قام باعطائك إياه.. ولست مع القائلين بأن لهذه الأمة خصوصيات لا تتغير لأن الظروف تتغير والخصوصيات لا بد وأن تتعلق بالظروف. عندما أرى مجتمعا يرفض الآخر، يرفض الفكر، يرفض الفن، يرفض كل شيء بل يرفض الحياة ويفعل كل ذلك باسم معتقده وخصوصياته والحفاظ على أخلاقه فلا بد أن يكون هذا المجتمع خائفا من الحياة، خائفا من التفتح على الآخرين، خائفا على إيمان ضعيف تزلزله بضع حقائق. إن الأمة في مجملها لا تقرأ ولهذا نتج ما نسميه بالثالوث المحرم، فمن يقرأ ينفتح على كل العلوم ولا يرى نفسه محتكر الحقيقة بل يدرك أن هناك أنواعا من الحقيقة، وكل فينا يملك جزءاً أما الحقيقة كلها فهي عند من خلق الكون ولا نصل إليها أبداً.

إنهم يغتالونك ويغتالون فكرك، يقتاتون على حريتك وحرية غيرك لأنهم يعلمون أنها أكبر خطر عليهم.. يمارسون وصاية غبية عليك، على أخيك الإنسان، على كل من تعرفه ويكون حراً لأنهم لا يريدون فقدان مكانتهم، فقدان هيبتهم وفقدان مصالحهم، يرونك خطراً لأنك لم تتبعهم ولم تلق لهم بالا وأردت الحرية في زمن كثر فيه العبيد. شرفهم هو في تخوينك وأملهم في زندقتك لأنك استعملت عقلك ورضيت بالكفر بهم على الكفر بمن خلقك وبانسانيتك. بنظري، كل مآسينا الاجتماعية وانحطاطنا الفكري إنما ينبع من القيود التي وضعناها باسم المحافظة على شرف الأمة، ما معنى أن تمنعني من حقي في التعبير بحجة أن ما أقوله فتنة على المجتمع؟ إن كنت متأكداً من قيامك بعملك “الدعوي” على أكمل وجه فلا أعتقد أن ذبذات صوتي “الفاسق” ستجد مستمعين إلا لو كانت حججك أنت ضعيفة واهية وضربت أنا عمق فكرك في نقطة حساسة. إن تركيزك على هذا الثالوث بحجة خوفك علي وعلى شعبي هو اثبات ما بعد اثبات على هوسك بهذا الثالوث.

لست مطالبا بماخور كما تصفني وتصف غيري، إنما أطالب بمجتمع متفتح يهتم فيه كل شخص بنفسه فلا يتتبع الفتى شعر الفتاة ولا يتتبع الخاشعون فيه زندقة الفساق ولا يتتبع المدعوشون فيها أخطاء وذنوب الناس. أريد مجتمعا يرمي بهذا الثالوث في سلة مهملات التاريخ لأن هذا الأخير يشهد أنه في عام تصل فيه دول مجاورة إلى اكتشافات تهز البشرية، لا زلنا نحن نتناقش حول حقوق المرأة، الحرية في التدين، اختيارات الناس في حياتهم العاطفية، وحرمة الخروج عن الحاكم. لا أصدق أن وعينا لا يزال مرتبطا بتفاهات لا معنى لها، ولا تدل إلا على انحطاطنا وانحطاط هذا المجتمع.. لم نستطع إلى الآن أن نتحرر من قيود التحفظ، قيود الرجعية، قيود مقاييس المجتمع، قيود ما سميناه فقها وأسميه أنا سرقة لجوهر الدين.

إن رضوا بحياتهم فهم أحرار، لكن لا داعي ليجرجروننا معهم، فأنا يوما بعد يوم، يزداد كفري بهذا المجتمع وبكل هذه الخصوصيات التي يقدسها ويزداد إيماني بإله غفور ورحيم، ودين لا يناقض العقل ولا الفطرة، دين يأمرنني بتربية عقلي وأخلاقي قبل أن يهتم بتقصير الثياب ولحية النفاق.

لذا، اعذروني على وقاحتي وعلى حدتي في ما قلته أعلاه فقد بلغ السيل الزبى.. لم يعد من الممكن ترقيع هذا المجتمع بل يجب اصلاحه جذريا.. أنا لا أؤمن بالمحظورات الثقافية ولا الاجتماعية ومن كان يؤمن بها فهو حر إلا أن حرية فكري وحرية كلماتي خط لن أسمح له بتجاوزه.

نعم.. إن أردت اغتيال عقلك وحريتك فأنت حر، لكن لا تقم باغتيالي رجاءً! لأني متمرد وأفتخر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*