مذكرات مواطن (11): نورمال.. راك في دزاير!

ذاهبون للعالية يا قبطان.. نورمال!

ذاهبون للعالية يا قبطان.. نورمال!

في حين أن الأنظمة الديمقراطية تنتج مجتمعات متسامحة تتنفس حرية التعبير، ويتعامل أفرادها فيما بينهم بمنطق المواطنة حيث لا أحد أفضل من أحد فالمواطن البسيط يحاسب الرئيس إن شاء، ويمقت الكل فيها الفساد والفوضى والعبثية السياسية والانحطاط الفكري؛ الأنظمة الديكتاتورية تنتج مجتمعات هزيلة، ضعيفة في تكوينها، عقيمة فكرياً، مشردة سياسيا، الكل فيها يسرق من البواب إلى أعلى هيئة، الكل فيها يكذب من سائق الوزير إلى الوزير نفسه، الكل فيها يمقت الآخر ويكرهه ويحسده. هذه المجتمعات التي تطبل لمن يغتصب عقلها، تهلل لمن يتعامل معها بمنطق “أنا وبعدي الطوفان”، لا تقول كلمة أمام من يسرق خيرات بلادها لكنها تنهض في وجه من يريد الإصلاح. المجتمع الجزائري ليس بريئا من هكذا ظواهر، ليس مثاليا بل هو مجتمع أبعد ما يكون عن مستوى مجتمع متحضر فما بالك بمجتمع مثالي وراقي. إنه مجتمع في مجمله يقبل أرجل من يستعبدونه سواء باسم الشرعية التاريخية أو الدينية.. إنه مجتمع يرفضك، ويرفض أفكارك ويرفض حتى الثورة مادامت تتعارض مع مبدأ “الشيتة والفساد والتطرف”.

(نورمااااال، راك في دزاير).. صدقوني هذه الجملة لها وقع شديد علي، تشاجرت عدة مرات مع أصدقاء بسبب قولهم لها، إنه تعطينا صورة جد سيئة، جد مهينة، جد مشينة عن الثورة، عن الشعب، عن البلاد.. فهل أصبح الفساد أمراً (نورمال) في الجزائر؟ هل أصبحت السرقة والمهرجانات التافهة التي تمولها وزارة الثقافة (نورمال)؟ هل أصبحت الحياة السيئة التي نعيشها، الانحطاط الفكري والحضاري، دعوة شخصيات إرهابية إلى شاشة التلفاز للتفاخر بجرائمهم، التسبيح بحمد من محى جرائم الجنرالات والمتطرفين.. كل هذا أصبح (نورمال)؟ إلى أين تتجه البلاد؟ هل إلى مقبرة العالية كما يصورها كاريكاتوري في آخر أعماله؟ هل إلى أرشيف تاريخي؟

النظام سعى إلى تدمير المجتمع الجزائري وقد نجح في ذلك، لقد دمر التعليم والمناهج التعليمية التي أصبحت اليوم تزور تاريخنا، لقد دمر القطاع الثقافي عبر سياسة الريع التي مارستها الوزيرة السابقة (خليدة تومي) حين شجعت على إقامة مهرجانات لا معنى لها في حين أن المكتبات أصبحت اليوم مدن أشباح مهجورة، لقد دمر القيم الاجتماعية فأصبحت الرشوة أمرا عاديا، كذلك الأمر بالنسبة للفساد الإداري والمالي الذي ضرب عمق الإدارة الجزائرية فاليوم لا تستطيع في كثير من الأماكن استخراج وثيقة بسيطة دون دفع (قهوة) أو دون أكتاف (معريفة)، ولا يستطيع المواطن البسيط أيضا المطالبة بحقوقه مادامت السياسة القمعية موجودة. نعم يا أعزائي! البلاد في منعرج خطير، وهذا الخطر لم يعد يتعلق فقط بالنظام بل حتى بالمجتمع الذي استسلم كثير من أفراده، وفسد آخرون عملا بمنطق “إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب”.

إن سعينا وراء الاصلاح لن يكون ذى معنى إذا لم يتم إعادة بناء الوعي الشعبي والاجتماعي. يجب أن يدرك الناس الفرق بين الخطأ والصواب ويجب أن يتم محو تلك الفكرة القائلة بأنه مادام النظام فاسدا فلا حرج ولا ضرار من الفساد، ومادام النظام راشيا مرتشيا فلا مانع من التعامل بنفس الطريقة مع بعضنا البعض. لقد نخر الفساد المجتمع الجزائري وأصبح التغيير صعبا لأننا الآن لسنا في مواجهة نظام فحسب بل في مواجهة تجار دين ومجتمع فاسد بطريقة أو بأخري.. نحن في مواجهة الـ(نورمال) وما أصعبها مواجهة!

إن رميت القمامة في الطريق، نورمال؛ إن رشيت العامل البسيط، نورمال؛ إن أضرب الأساتذة في كل عام، نورمال؛ إن عاش قطاع الصحة فوق صفيح ساخن، نورمال؛ إن تم تقييد الحريات الشخصية بحجة أننا زبانية الله في أرضه، نورمال؛ إن قمنا بتكوين أجيال تمقت المكتبات وتمقت حتى العلم، نورمال؛ إن صرفت عشرة ملايير من أجل تمثال في حين أننا نحتاج لمستشفيات ومدارس، نورمال؛ إن صرفت الملايير من أجل تظاهرة يقال فيها الكثير، نورمال.. ببساطة، النظام العاجز، واللاشرعي، والرئيس الذي لا نراه، والوزراء الذين يسبوننا، وأبناءهم الذين يسبون الجزائر في حانات وملاهي باريس ولندن.. كل هذا (نورمال) وإن اعترضت على كل هذا، أصبحت أنت الـ(أنورمال).

أصبحت لدينا قابلية للفساد وكله بفضل هذا النظام. لقد أصبح كثير منا مبرمجا على رؤية الفساد بشتى أنواعه خصوصا الإداري، السياسي والمالي والسكوت عنه وكأنه لا شيء. لم نعد نملك تلك الغيرة على هذا الوطن ولا على قوانينه ولا على أرواح الشهداء فاليوم نحن لا نتكلم عن عبان كونه في نظر الكثيرين خائن، ولا نتلفظ حرفاً على قضية شعباني، وبالمقابل نقدس حمداش ومزراق وكأنهم ملاك لمفاتيح الجنة والنار.. هذا هو تغلغل الفساد الفكري في المجتمع. نحن نترك حقوقنا لتضيع، نتعامل مع المرأة كأنها (حيوان) -وعذراً لكل النساء فالاحترام الذي أكنه للجنس اللطيف فوق الوصف-، نرى أربعين مغفلا يغتصبون فتاتين في احدى الحدائق ولا نقول شيئا، بل إننا نقوم باتهام المرأة لأنها طبعا هي العورة! نثور من أجل الكرة لكننا نسكت عن أهلنا في عين صالح، نكرر ما يقوله فقهاء السلطان من حرمة الخروج على الحاكم بينما نضرب المناضلين ونجبرهم على اختيار المهجر، نتنكر لأصولنا وتاريخنا، نسمح لداعش بأن تلوث صورة رسولنا ثم نأتي ونخرج في شوارع العاصمة مكررين “جيش، شعب معاك يا داعش” ونكرر الهتافات الحمقاء للحزب الفاشي الذي قال أحد قادته يوما “نهز السلاح ونهز الكلاش”، نفعل ما يرضينا دون أن نفكر في مصلحة الأمة، ننبذ كل حراك اجتماعي بدعوى الفتنة، نرفض كل المقاومين والمعارضين كونهم “أيادي خارجية”، نحن ببساطة (أو أكثرنا لكي لا أظلم الفئة التي تقاوم) نحب الفساد، نحب أن نبقى فيه ونحب أن نعيش فيه.. فشهداء الثورة لا يعنون شيئا مادام مجاهدو ربع الساعة الأخير يتقلدون المناصب اليوم وضحايا الإرهاب الهمجي لا يعنون شيئا كذلك مادام علي بن حاج، مزراق، وحمداش يتكلمون بكل حرية في قنوات تطبل للنظام وللإرهاب ولا تستطيع قول كلمة الحق في وجه سلطان جائر.

لهذا، أقول أن كلمة (نورمال) أصبحت تزعجني، وتزعج كل من يهمه مستقبل البلاد. لهذا أسعى إلى تغيير العقلية السائدة، العقلية التي “تتدعش” رغما عنها وتمارس “الشيتة الشرعية” رغم أنفها. حان الوقت للوم المجتمع، لاحداث حراك حقيقي ولبناء وعي ولتبني مبدأ “القطيعة المزدوجة” فلا للنظام، ولا لمن تاجروا باسم الدين وبدماء الجزائريين. حان اليوم الذي نقول فيه لا ل(نورمال، راك في دزاير خو) فأنا لا أريد جزائر كما يتصورها الكسالى والقاعدون بل أريد جزائر يحترم فيها المواطن، ويقول كلمته دون خوف، أريد جزائر كما أرادها الشهداء، كما أرادها مؤتمر الصومام لا جزائر كما يريدها هؤلاء.. مظلمة، تعيسة، تعيش في وحل الاضطهاد وتصبح ضحية لطوفان التطرف.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*