أنا باردو.. كلنا باردو! في فكر الإرهاب.

أنا باردو وفكر الإرهاب.

أنا باردو وفكر الإرهاب.

تعرضت تونس منذ بضعة أيام وبالذات مدينة باردو ومتحفها إلى هجمة ارهابية أرادت زعزعة ثقة شعب بنفسه وبخياره يوم خرج ضد حكم بن علي، هجمة أسفرت عن سقوط ضحايا ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا رؤية التاريخ. الهجمة لم تمر كنسمة ريح عابرة بل كانت سببا في حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة كان لها عنوان واحد “أنا باردو”. الكل أدان الإرهاب، والكل رفضه، وحري بهم أن يفعلوا لكن هل قمنا بإدانة أسباب الإرهاب؟

لقد توقفت ساعة الزمن لدي يوم رأيت الهجمة الوحشية على شاشة التلفاز، لم أستطع التعبير عن مشاعري وأنا أرى بلداً كتونس، بلد أرفع له القبعة على نضاله الدائم، على خطواته نحو الديقمراطية رغم كل ما جرى وكل ما يجري. لعلها كانت من المرات القليلة التي تخونني فيها الكلمات، ويخونني فيها القلم! أنا متأكد أنا تونس لن تركع لإرهاب همجي يريد استئصال الفكر، الثقافة، الفن، التاريخ والحياة، تونس لن تكون لقمة سائغة في فم من يريدون تحويل المنطقة إلى حلبة للنزاعات الأهلية باسم الدين والمذاهب.. تونس أكبر منكم ومن وحشيتكم ووحشية مخططاتكم العقيمة.

بعد تلك الهجمة الحقيرة، راجعت ما جرى فلم يعد من الممكن اليوم تجاهل التهديد الذي تخضع المنطقة خصوصا مع رجوع الكثير من الإرهابيين الذين قاتلوا في صفوف تنظيم “داعش” إلى بلدانهم ومنهم كثير من التونسيين والجزائريين. كان لزاما علي أن أفتح عقلي وأحاول ايجاد أجوبة لأسئلة مثل: لماذا وكيف؟! الإجابة لن ترضي كثيراً من أصحاب العمائم، ولا من ذوي اللحى، الإجابة لن ترضي أيضا كثيراً من الحكومات التي تجد في الإرهاب حجة للبقاء. اليوم، لم تعد المسألة الإدانة بالإرهاب رغم كل الحجج التي يقدمها هؤلاء الرجعيون، اليوم لم يعد السؤال يطرح حول الإرهاب ووجوده من عدمه فالواقع يجيب على هكذا سؤال.. اليوم، الكارثة لا تكمن في هجمة وإنما في احتمال هجمات أخرى مادام أن سبب الإرهاب موجود.. سبب يتلخص في فقه بمنطق الوهابية، في فقهاء يتعاملون بمنطق القرون الوسطى.

لم آت اليوم للتنديد فهذا أمر بديهي، ولم آت لانتقاد أشخاص لا يعرفون إلا التكبير فانتقاد هؤلاء لم يعد خياراً وإنما “واجبا شرعيا”. اليوم، ما عاد ممكنا محاربة الإرهاب دون محاربة الوقود الذي يشعله، لا يمكن اطفاء النار بكب الزيت والمجيء بمزيد من الحطب. شئنا أم أبينا، نعيش في مجتمعات تساند الإرهاب وتقف معه وتحارب من يحاربه وتُكَفٍّرُ مَنْ يَكْفُرُ به وتقطع رأس من تسول له نفسه انتقاد التطرف. أعزائي، الإرهاب ليس وليد اليوم ولا الأمس، الإرهاب ليس ابن مرحلة معينة بل ابن منظومة فقهية لم يشء الفقهاء التعديل عليها بما يتناسب وهذا العصر. هؤلاء الإرهابيون لم ينزلوا من السماء بل تربوا بيننا، وعاشوا بيننا، ودرسوا نفس ما درسناه.. سمعوا عن فتاوى الجهاد في العراق وسوريا، فتاوى أقرها من يقدمون أنفسهم على أنهم الناطقون باسم السماء. لا يمكننا التحرر من قيود التطرف الذي سيلد عاجلا أم آجلا ارهابيين يكفرون بالحياة ونحن لا نزال ندرس نفس ما درسه بن لادن لأتباعه، لا نزال نعتبر المرأة عورة، لا نزال نكفر المفكرين، لا نزال نحارب التطور بدعوى الأصالة، لا نزال نقيد حريات البشر باسم الدفاع عن الدين، لا نزال نكمم أفواه الناس بدعوى أوامر الإله. نعم! في وقت معين، يجب أن نصطدم بجدار الواقع، هناك إرهاب، هناك تطرف وسيكون هناك مزيد من الإرهابيين والمتطرفين ما لم نراجع ما نعتبره “أصولا وركائز لا نقاش فيه”.

لا شيء ثابت وكله متغير بتغير الزمن والاجتهاد ليس حكراً على أناس معينين. إنهم يريدون ابعادننا عن التنديد بالإرهاب لأنهم متأكدون أن سبب الإرهاب هو هم وفكرهم وفتاويهم.. ليسوا عبادا بل أقرب للوحوش منهم للعباد! ماذا عساي أقول في من يقتل الأبرياء ويستحل دماءهم؟ ما عساي أقول في من يرفع المصحف ليقتل باسمه الناس، ليجزرهم، ليقطع رؤوسهم؟ أصل المشكلة ليس في من يقتل، بل في من يعطي رخصة القتل. أصل الكارثة ليس في عباد يمكن ايقافهم بالقانون، بزجهم في السجون ولو كانت برأيي زنزانة السجن قد ترفضهم لأنها لا تريد تلطيخ نفسها.. أصل الكارثة في أفكار وايديولوجيات، أصل الكارثة في أحكام فقهية تجيز قتل من لا يراه الفقيه مؤمنا، أصل الكارثة في تفسيرات لنصوص مقدسة، أصل الكارثة في الكتب الخضراء والصفراء والحمراء كما يلقبها أحدهم، أصلا الكارثة في الفتاوي وكلام شيوخ الجهل، أصل الكارثة في من يحدثوننا عن الزهد وهم يسكنون الفنادق، أصل الكارثة في من يعتبرون كل مراجعة علمية ونقدية للتاريخ والمنظومة الفقهية حراما وفتنة عظيمة على الأمة، أصل الكارثة في لحى أشباه العقول وفكر مقصري الثياب!

لذلك اليوم، ما عاد ممكنا محاربة الإرهاب دون محاربة مصدره.. ايقافهم بقوة القانون أمر مفروغ منه، زجهم في السجون مهما اختلفت مبرراتهم أمر لا اختلاف عليه، لم يبق إلا محاربة فكرية لمنظريهم، لشيوخهم، لأفكارهم، لمبادئهم. إن كانوا يؤمنون بأن الوطن حفنة من تراب عفن، وإن كانوا يجزمون بأن الوطنية لا توجد في الإسلام، وبأن لا راية إلا راية جماعتهم ومذهبهم فهم يكفرون بالوطن، يكفرون بالحياة ويكفرون بكل ما هو جميل.. من كفر بالوطن لا ننتظر منه خدمته، ومن كفر بالحياة لا ننتظر منه إلا تطبيلاً للموت والاغتيال ومن كفر بكل ما هو جميل لا ننتظر منه إلا هيئة البغدادي وكلمات الظواهري. قد يعتقد البعض بأن الأمر يختلف من بلاد لبلاد بينما الحقيقة أن الفيروس أصله واحد، والفكر له نفس المنبع ونفس المصدر.. هؤلاء لم يأتوا بجديد بل واصلوا مهمة من سبقهم، منذ خرجوا علينا بقصة الصحوة الدينية والإسلامية لم نر إلا الخراب، لم نر إلا رجالا يُقتلون باسم موالاة الطاغوت ونساء يُغتصبن باسم السبايا والجواري وأطفالا يتم اختطفاهم باسم ابعادهم عن مجتمع مشرك، كافر وجاهلي.. لسان الحال يقول أن ما سموه صحوة هو سبات، وما يعتبرونه حلالا هو تعدي على حقوق البشر، وما سموه جائزاً ليس إلا تغطية لزواتهم الوحشية والحيوانية بستار الدين، وإن كان احترام حقوق الانسانية جاهلية، والسلام كفراً وتشجيع الحرية والديمقراطية ردة فليكتبوا في أول صفحة من دفاترهم.. أنا أول العائدين للجاهلية وأول الراضين بالكفر وأول المعلنين للردة وليفعلوا ما يشاؤون، حبي للوطن وفخري بكل من يحب وطنه أعلى من لحن رصاصهم وفرقعة قنابلهم.

أعلنها بكل فخر إذا: أنا باردو، أنا حب الوطن، أنا ضد الإرهاب، أنا ضد التطرف، أنا ضد الهمجية، أنا مع السلام، أنا معك يا تونس، أنا معك أيها الشعب التونسي الشقيق في نضالك وحربك ضد من يريدون قتل الأمة وقتل روح المواطنين.

مساندتي اللامشروطة أيها التونسيون، لتنشدوا حماة الحمى ولتعلنوها بصوت عالٍ: نموت نموت ويحيا الوطن!

One thought on “أنا باردو.. كلنا باردو! في فكر الإرهاب.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*