مذكرات مواطن (10): إنجازات.. كذبة مشهورة وخطاب معتاد!

إنجازات (نظامية).. على قول أحدهم: أخطونا رانا لاباس!

إنجازات (نظامية).. على قول أحدهم: أخطونا رانا لاباس!

“لست طامحا في هدم وطني، و لست أريد أن أكون سببا في تكسير بلادي وتحطيم شعبي، ما أريده هو حقي فقط!” هكذا بدأ صديقي العاطل عن العمل حديثه، وهكذا لمعت في عينه أولى الدموع فنزلت احداها قهرا! هكذا أسمع شعبي يردد، وهكذا أسمع وطني يئن. هكذا عرفت جرم النظام وهكذا اقتنعت بضرورة التغيير وهكذا بدأت النضال. اليوم، أصبحت نشرة الثامنة مساءً في تلك القناة الوطنية التي هي حقا “يتيمة” مادامت تسير من طرف العصابة التي تسمى نفسها “نظاما شرعيا”، أصبحت أشبه بالنكتة المبكية، بسهم يخترق قلبي وقلب كل مواطن يحس بالظلم والتهميش، أصبحت أحس كأنه يتكلمون عن عالم آخر، كأنهم يتكلمون عن كوكب “الدول الديقمراطية” لا عن هذه الجزائر التي لا يزال المناضلون يسجنون فيها بسبب كلمة حرة! اليوم، كل الجرائد الموالية لهذا النظام وعلى رأسها جريدة (الانهيار) تطبل لبقاء أناس ساهموا بشكل أو بآخر في تكسير المجتمع الجزائري، في هدم كل ما بناه شهداء الثورة.. إنهم يأتوننا بخطابهم المشهور حول إنجازات الفخامة، يصدعون رؤوسنا بكلمات الفتنة المتكررة والمحافظة على أمن البلاد؛ ولذلك حان الوقت اليوم للحديث عن خطابهم والحديث عن ما سموه إنجازات عظيمة.

لا أعلم إن كانوا يتحدثون عن نفس الجزائر التي أعيش فيها أو يتحدثون عن جزائر “الشيراطون” و”نادي الصنوبر” و”قصر المرادية”. أنا الجزائر التي أعرفها هي الجزائر العميقة التي لا يزال مواطنوها لليوم يتلقون الإهانات في جل المكاتب الإدارية حين يسعون وراء ورقة معينة، الجزائر التي تربيت فيها هي الجزائر التي يدخلها ما يعلمه الله من البترول ويأكل بعض أو (كثير) من الفقراء فيها من القمامة (أعزكم الله)، الجزائر التي ولدت فيها وشاهدتها هي الجزائر التي يأتي فيها مسؤول سامي ويسب الشعب ويسكت المسؤول الأكبر منه لأنه بدوره قد سب الشعب يوم اغتصبت احدى الهيئات التي تحميه الدستور. لذلك فليقولوا لي رجاء أي هي جزائر “كل شيء على ما يرام” فأنا لا أبصرها؟ أين هي جزائر “الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية” فأنا لم أَخْبِرْ منذ عهدي بالجزائر إلا مجموعتين، مجموعة المليارات والفيلات ومجموعة ربنا وأنت الغفار، ربنا أسكت جوع بطوننا؟ أين هي جزائر “ارفع راسك يا با” فالعديد من المواطنين المغتربين يمضون ليالي طويلة أمام السفارات الجزائرية طمعا في (شبه) جواز سفر لا يُحْتَرَمُ في العالم مادام أنه مصدر من طرف حكم دكتاتوري ولا يمكنك إلا من الدخول لدول العالم الثالث؟ أين هي الجزائر القوية التي لا يتحول فيها “مشروع القرن” كما سماه أحد أزلام النظام إلى “سرقة القرن”؟ إن كنت مخطئا صوبوني وأروني صورة الجزائر التي تتحدثون عنها.

طبلتهم وهللتم لهذا النظام متحججين بالإنجازات وحان الوقت لنفض الغبار عن هذا البرهان الذي يثبت حماقتكم وغباءكم وعمالتكم لمن دمروا البلد و”لحسكم” لحذاء من اغتصبوا الثورة في صائفة الاستقلال بعد الأزمة المشهورة. أولا، لنتفق حول مفهوم إنجازات فالسرقة ليست إنجازاً، ولا الفساد الإداري، ولا ترك اللوبي المالي ليتحكم في أسواق البلد، ولا قمع المعارضين، ولا المصالحة مع المجرمين والفاسدين، ولا اللعب بالقوانين ولا أي شيء آخر.. الإنجاز هو الوصول لما تم التخطيط له من طرف الثوار، الإنجاز هو بناء الجزائر التي أرادها الشهداء، الإنجاز هو حين يجد الفقير ما يأكل ولا يتذلل، الإنجاز هو حين أرفع كمواطن جواز سفري في بلد أوربي دون الخوف من نظرة عنصرية لأنني أعلم أن سفارة بلدي ستتحرك إن مسني شيء، الإنجاز هو جزائر يحترم قيها الجميع ولا يتعدى فيها على حقوق أحد ولا سياده فيها إلا الشعب ولا سلطة إلا للقانون. لا أعتقد أننا نختلف حول مفهوم الإنجازات وإلا فلتراجعوا مرجعيتكم لأن بيان نوفمبر كان واضح وما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الصومام كان أكثر من واضح. مادمنا اتفقنا فلتبرزوا أوراقكم.. إن قلتم لنا ما بالكم لا ترون الطريق السيار قلنا لكم ما لكم لا ترون فضائح ونوعيته الرديئة؟ إن تجرءتم وقلتم ما بال عقولكم تنسى الأمن والاستقرار الذي نحن فيه رددنا بقولنا ما بال منطقكم وأنتم تشاهدون حدودنا مهددة ومن كانوا بالأمس إرهابيين يبدون رأيهم اليوم في مسودة الدستور؟ إن لم تخجلوا وفتحتم موضوع حرية التعبير أتيناكم بقضية بلقاسم خنشة، رشيد عوين، عبد السميع عبد الحي وغيرهم الكثير الكثير! كفاكم استهزاءاً بعقولنا، وكفاكم لعبا.. العدالة التي تنبهرون بها لم تستطع اليوم المجيء بشكيب خليل ولم تتقدم ولو قيد أنملة في قضيتي سوناطراك 1 و 2. العدالة التي تقولون بأنها مستقلة لم تفعل شيئا في قضية الفتى الذهبي أو من يسمى بالخليفة لوجود العديد من الوزراء وأبناء الوزراء، والمسؤولين السامين ورجال المافيا المالية المتورطين. العدالة شئتم أم أبيتم مرتبطة بالسلطة السياسية وإلا لفتحت ملفات الفساد المالي، والإداري والاختلاسات التي حدثت وتبييض الأموال الذي تم من طرف فاسدين كانوا ولا زالوا يذهبون إلى عواصم العالم ويخزنون ثرواتهم في بنوك أمريكية وفرنسية وسويسرية ولعل القائمة الأخيرة لفرع إحدى البنوك الأجنبية المتواجد في سويسرا كان كفيلا بفضحكم وفضح ما تفعلون!

خطابكم الشعبوي بامتياز قد آذى البلاد كثيرا ولا يزال! نحن لم نعد في وقت دوغمائي (بمفهوم تعصبي سياسي) أو شعبوي يمكنكم فيه الاتيان بخطاب النفاق المعتاد لكي تنتظروا كعادتكم تصديق الشعب.. لا، الشعب الجزائري لا يزال شعبا ثوريا يحب بلاده ويغار على أرضه رغم كل ما فعلتم وما تحاولون فعله. أتركونا رجاءً من المسرحيات الهزلية التي تقومون بها باسم المحافظة على أمن البلاد فأنا لا أرى تهديدا أكبر من ترك شخص كمدني مزراق، الإرهابي الذي أعترف بفمه أن يداه ملطختان بالدماء، لكي يقول ما يشاء ويبدي رأيه في دستور يحدد مصير ما يقارب الأربعين مليون جزائري؛ لا أرى تهديدا أكبر من ترك داعشي كعلي بن حاج، أو من أفضل تسميته بالكافر بالديمقراطية، حراً طليقا يقدم “سلاسل علمية” (لسخرية القدر) وأتذكر بأن هذا الرجل بالذات قال يوما “نهز السلاح ونهز الكلاش”؛ لا أرى تهديدا أكبر من ترك أولئك الذين التحقوا بالثورة في “الوقت بدل الضائع” ليتحكموا اليوم في مفاصل الدولة الجزائرية، يعني لكي نفهم.. ضحى الشرفاء في الثورة ليصبح مدني مزراق شخصية وطنية، وبن حاج مصلحا إسلامياً، وهؤلاء المسؤولون أناسا شرفاء! يا سلام على جزائر اليوم!

لا أرى بداً من الحديث عن الفضائح السياسية مادمتم، وبتلك البطون المنتفخة بأموال الشعب، تحدثوننا بدون حياء عن الثورة والاستقلال والسيادة الوطنية في استغلال الغاز الصخري (كما قالت إحدى مناضلات حزب الأيادي الخارجية). الإنجاز السياسي لا يكون في العبث بالدستور لأجل منصب ما، ولا يكون في الحديث عن التاريخ وأرشيف الثورة لا يزال لليوم عند المستعمر القديم. أ تريدون أن نحدثكم عن “الإنجازات” السياسية؟ لا بأس! سنحكي لكم قصة الانتخابات المزورة، وسنخبركم بحكاية علي بابا والأربعين حرامي (ولكم أن تعرفوا من علي ومن شرذمة الأربعين)، سنقص عليكم (حدوتة -كما يقول المصريون) البرلمانيين النائمين من كتلة الحزب الواحد الذي لم يستطيعوا لليوم انتقاد هذه السلطة، سنخبركم بأعمار الجنرالات والوزراء في دولة الشباب، سنأتي لكم بتاريخ من تعتبرونهم مقدسين ثورياً! فلا تلعبوا من فضلكم لعبة لا تقدرون عليها.

إنجازاتكم متعددة كذلك في قطاع الصحة الكارثي، في قطاع التعليم الذي يشهد كل العام اضرابا لأسابيع، في قطاع السكن الذي لم يستطع لليوم تسوية الأزمة، في قطاع المعلوماتية المتخلف.. ربما إنجازكم الوحيد هو دولة الأشخاص، نظام الفساد وتكسير هيبة الجزائر فهنيئا لكم بهكذا إنجازات!

خطابكم لا يفيد، ورحيلكم واجب.. الرداءة على قول مهري -رحمه الله بلغت عنان السماء فكفاكم مهازلاً ومسرحيات، الجزائر في خطر ووجودكم يهدد وحدة البلاد لهذا نرفع صوتنا ونقول: لا للنظام ونعم للجزائر!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*