مذكرات مواطن (12): أصمت.. لا حرية إلا للتطبيل!

أصمت.. لا حرية إلا للتطبيل!

أصمت.. لا حرية إلا للتطبيل!

يوم أطلقت أولى الرصاصات ضد الاستعمار الفرنسي، كانت تلك الرصاصات بداية لحرب مدمية دفع الشعب فيها الغالي والنفيس، ضحى الناس بأموالهم وأنفسهم، أعلنوا رفضهم لنظام متسلط أراد استعبادهم وأخذ بلادهم قهراً. لقد سالت دماء الشرفاء من أجل الحرية، الكرامة، الوطن، ولاسترداد ما هو للجزائريين. لم يتنازل الشهداء عن أرواحهم لأجل العصابات، ولا أيضا لأجل الدكتاتورية وقطع أنفاس من يقول كلمة الحق. لا.. بل عُذٍّبَ الشعب، وصرخ، وعانى لهدف نبيل هو جزائر حرة ديمقراطية يقول فيها المواطن البسيط ما يشاء دون الخوف من بندقية النظام ولا سيف المتطرفين.

لكن اليوم ليسجل التاريخ جيداً أن الحرية تم اغتصابها وأن الأفواه أسكتت بدعوى المحافظة على شرعية الثورة، ليسجل التاريخ أننا رأينا دموع مواطنين بسطاء ذنبهم أنهم قالوا ما أراد أزلام النظام اخفاءه، ليسجل التاريخ أن حصة تلفزيونية أوقفت كما أوقف أحد البرامج منذ ما يقارب العام وكما هُدَّدَتْ إحدى القنوات لاستضافتها شخصية سياسية منبوذة من طرف أروقة الحكم، ليسجل التاريخ كذلك أن جزائر الثورة أصبحت جزائر السجون وأن دم الشهداء أصبح معبرا لشقق باريس، ليسجل التاريخ أنه بعد خمسين من الاستقلال المزعوم لا زلنا نخاف أن نقول شيئا فنختفي كما اختفى شهداء العشرية.. نخاف أن يمحوا اسمنا من الدفتر العائلي وأن نغادر الحياة كما لو أننا لم نكن موجودين أصلا.

خطاب الاستقرار اليوم أصبح أكثر من تهديدات باللاأمن.. لقد أصبح تعديا على الصحافة، تعديا على الحريات، تعديا على حق التساءل، تعديا على كل ما قد يمس “هيبة الدولة”. في البلدان التي تحترم الحكومات فيها نفسها، يمكن للمواطن البسيط رفع شكوى لأعلى هيئة وستنظر في طلبه، بل سترتعد فرائس المسؤول إن عرف عن قضية فساد.. في بلدنا العزيز، أنت مدان ولو كنت ضحية، أنت موقوف عن العمل إن تكلمت في فضائح المالية، أنت منبوذ من الوطن إن نطقت بحرف حول حقائق ثورية، أنت مطلوب لدى العدالة إن أشرت إلى ما يجري وراء تلك الكواليس السياسية.. ببساطة، أنت لست مواطناً، أنت عبد لأناس ظنوا أنهم يملكون مفاتيح البلد، أنت في أحسن الأحوال “لاجئ” لا حق لك فصفق وأسكت وإلا مصيرك الزنزانة كرفيقك “خنشة” أو المنفى كمن هرب أثناء العشرية خوفا على نفسه، أو حتى القبر كذاك الرئيس الذي حاسبوه لأنه قال يوما لا للفساد. استيقظ أيها الخائن، استيقظ يا من لا تجد رغيف خبز لأبنائك في حين أن من باعوا البلاد يشترون القصور ويداوون لدى من يسبونهم ليل نهار، استيقظ يا من دغدغتك الحرية الزائفة وحسبت أن الجزائر دولة قانون ومؤسسات شرعية، استيقظ أيها المواطن البسيط، أيها الفقير، أيها العبد المملوك.. فأنت في إمبراطورية لا مجال للكلام فيها.

سقطت دمعة من عيني، سقطت بشكل لا شعوري وأنا أرى أناساً تغتال حريتهم لأنهم تكلموا حول كتاب، شعرت بخنجر دخل ينقب عن قلب يضخ الحزن بدل الدماء، ذابت أحاسيسي ولم أقو على الكلام أمام دموع الجزائر، طلبت مرارا الغفران من عبان والرفاق لأننا سمحنا لمن زوروا التاريخ بالبقاء.. لا تلوموني، فمشاهدة حالة حرية التعبير في بلدي لا تبق لي شيئا، وحري بها أن لا تفعل؛ مزراق قتل بيديه وجاء يتفاخر أمام الملأ، حمداش يريد تذويب الجزائر في منطومة التطرف، بن حاج لا يزال لليوم يلقي دروسه في ذلك المسجد المتأسلم.. هؤلاء أناس مسؤولون عن عشرية دامية، مسؤولون عن 200 ألف روح ستحاسبنا، ستسائلنا أمام مولانا، مسؤولون عن هوية وطنية مفقودة، مسؤولون عن غباء متفشي و”داعشية” لا نظير لها؛ على الرغم من ذلك، يرحب بهم في قنوات موالية للسلطة وللإرهاب، يتكلمون بكل حرية ويكسرون المجتمع يوما بعد آخر، يأتون بهم كضيوف شرف في حلقات لا أستحمل حتى رؤية دقائق معدودة منها، لهم من الهيبة والقداسة ما ليس لله ربما ولا لنبيه بكل تأكيد، يحميهم النظام لأنهم يساعدونه على البقاء، وفي خضم كل ذلك.. تبكي الصحافة ويبكي الشرفاء وتبكي الحرية. في خضم كل ذلك.. ممنوعون نحن من تناول كوارث هذا النظام في كل القطاعات، يرموننا بأفضع الصفات إن سولت لنا أنفسنا رفض من دمروا البلاد وداسوا على العباد، يحركون أجهزتهم الإعلامية لكسر كل مبادرة يقوم بها من يخافون على الوطن، ومستقبل الوطن، وخيرات الوطن، بل وكرامة الوطن.

اليوم، أنا محطم، منهار، لا أتذوق طعما للحياة هنا فالضربات المتتالية التي تتلقاها حرية التعبير تحزنني للغاية.. ليست المشكلة مع حصة الجزائرية ويك-أند بالذات، وإنما مع غياب مبدأ “تكلم ما تشاء، فالجزائر بلدك”. ليست هذه هي الحصة الأولى التي يوقفونها، ولا الثانية، ولن تكون الأخيرة.. هم لا يحبوننا إلا إن صفقنا، وهو ما لن نفعله أبداً مع نظام يستبد هذا الشعب. قلناها منذ البداية، لا حوار معكم، ولا سبيل للنقاش.. الرفض راديكالي ولا لمحاولات الإصلاح والتجميل، الإصلاح الوحيد هو رحيلكم أنت ومن يساندكم، الأمل الوحيد هو في رؤية من نهبوا الأموال خلف القضبان، وفي محاسبة المسؤولين الذين يتنعمون بأموال البترول. لسنا في خضم نقاش ديمقراطي بل نحن ضد نظام يرفض الديمقراطية ويكرس مكانها سياسة العصا لمن عصى، أو في هذه الحالة سياسة القطع والمنع لمن حسب نفسه حراً.

المشكلة ليست فيكم فقط، بل في أولئك الذين ترمون لهم العظام ويفرحون لها وكأنها هدايا. لا يتفرعن من هم في السلطة إلا إذا انبطح بعض من يستعملون المظلات إن هطلت أمطار الحرية، ولا يسرق من أخذوا البلاد رهينة إلا إن صفق لهم من وافقوا على تعديل دستوري مشين.. إن النظام الجزائري نظام استطاع البقاء لمدة طويلة لأنه اشترى ذمم الكثيرين، لا توجد دولة مؤسسات بل توجد دولة عصابات، لا توجد سياسات، بل توجد تصفية حسابات، لا يوجد متابعة لقضايا الفساد، بل يوجد ابتزاز للشخصيات من أجل مزيد من السلطة، مزيد من الحكم ومزيد من النفوذ.. لهذا، عندما تناول “عبدو سمار” الممتلكات الخاصة بالمسؤولين الجزائريين في فرنسا انتفض النظام، لأن الحرية حاليا حرية مزيفة، حرية قل من نشاء ووقتما نشاء نحن، حرية الهواتف وقضاء المصالح، حرية من لا حرية لهم إلا تحت رحمة البيادق وبأوامر الدبابات وبموافقة أرباب المال.

إذا، هكذا هي حال الجزائر اليوم.. جزائر تغلق فيها القنوات إن لم تساند النظام، جزائر تهدد فيها الصحف إن نشرت مقالا دون موافقة من يحكمون من وراء الستار، جزائر تقتل فيها الأحلام ويحرم فيها الأمل، جزائر تغتصب كل يوم، جزائر يسبح فيها بحمد حمداش بينما يمنع المواطن من ابداء رأيه، جزائر تعيش على وقع خوف مستمر من المستقبل، جزائر لا تعرف جنسية مسؤوليها ولا أين يسكنون ولا كم يتقاضون ولا تراهم إلا في شاشات التلفاز أو في ملتقيات ووراءهم آلاف الحرس، جزائر أنت فيها مكروه ومنبوذ فأرض أيها المواطن، هكذا خلقت وهكذا كتب علىك أن تعيش.

مسيرة النضال مستمرة، شاء هؤلاء أم لا، قبلوا الأمر أم رفضوه.. بالنسبة لي، كل هذه التجاوزات، كل هذه العبثية في تسيير البلاد ليست إلا تخبطا لنظام يعرف أن أجله بات قريباً.. لهذا، نحن مستمرون، لا نخاف في الحق لومة لائم؛ أغلقوا ما شئتم، فالشعب الذي انتفض بعد استعمار دام أكثر من قرن لن يعجزه أشخاص يهربون في أول فرصة قد تلوح لهم.

تحيا الجزائر حرة ديمقراطية ومساندتي المطلقة والغير مشروطة مع منشطي حصة الجزائرية ويك-آند.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*